قضايا وآراء

أردوغان أمام خيارات صعبة أحلاها مر

| د. قحطان السيوفي

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتقمص شخصية السلطان العثماني الجديد، ويواجه مشاكل داخلية وخارجية، في الداخل تحديات اقتصادية، تضخم، بطالة، ضعف العملة التركية، انتكاسات في الانتخابات البلدية. في الخارج، يدعم الإرهاب في سورية ويقفز على الحبال الأميركية والروسية والأوروبية وحلف الناتو. أردوغان أمام خيارات صعبة عانى حزبه الحاكم هزيمة بفارق ضئيل في المنافسة للسيطرة على إسطنبول، المدينة الأكبر والأكثر ازدهاراً في تركيا. قال أردوغان عام 2017: «إذا تعثرنا في إسطنبول سنفقد مكانتنا في تركيا». بعد أن خسر أردوغان أنقرة وإسطنبول أمام حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض، استخدم نفوذه وتسلطه لفرض إعادة التصويت في انتخابات إسطنبول في حزيران.
يشعر المستثمرون بالقلق من قرار إعادة انتخابات رئيس بلدية إسطنبول، وقد وصفت أحزاب المعارضة هذا القرار بأنه «ديكتاتوري صارخ» و«سرقة» في رابعة النهار. قالت مديرة استثمار ديون الأسواق الناشئة في شركة «أموندي» أستير لو: إن قرار إعادة الانتخابات سيزيد من التقلبات في السوق وقد زادها. عملياً هذا القرار تسبب في أول ركود كبير في تركيا منذ عقد، وجعل التضخم عند نسبة 20 في المئة.
خلال 16 عاماً في السلطة كان أردوغان يحاول تنمية الاقتصاد أكثر من اعتماده على أيديولوجيته وعلى حزب العدالة والتنمية الحاكم. لوحظ استمرار موجة عدم الاستقرار في سعر صرف العملة التركية الليرة، منذ إصدار أمر بإعادة إجراء انتخابات محلية في إسطنبول.
وصل إجمالي الاقتراض من المصارف المحلية من خلال مقايضات لمدة أسبوع إلى 13.4 مليار دولار أواخر أيار الماضي، بزيادة تقدر بنحو 1.7 مليار دولار عن الأسبوع السابق. كشفت «فاينانشيال تايمز» نيسان 2019 عن أن الارتفاع في الاقتراض قصير الأجل من البنك المركزي التركي، كان يساعد على حجب حجم الانخفاض في صافي احتياطيات العملة الأجنبية.
ردد محلل الأسواق الناشئة في «رابوبنك» بيوتر ماتيس: «ليس لدى البنك المركزي ودائع احتياطية كافية من العملات الأجنبية للتدخل بشكل منتظم على نطاق واسع على الصعيد الخارجي، أردوغان عالق بين نارين، قد يؤدي خطر الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة بشأن المشتريات الدفاعية إلى فرض عقوبات أميركية. السبب الأساسي هو قرار تركيا شراء نظام دفاع صاروخي أرض-جو طراز «إس400» من روسيا، من المقرر تسليمه في الأشهر القليلة المقبلة. في الوقت نفسه، تتوقع تركيا استلام طائرة من طراز إف35، وهي أحدث الطائرات المقاتلة التي تنتجها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وتعد تركيا جزءاً من اتحاد يشترك في إنتاج الطائرة إف35 مع شركة لوكهيد مارتن. علقت الولايات المتحدة تسليم أول أربع طائرات من بين 100 طائرة كان من المتوقع أن تشتريها أنقرة، بسبب نظام «إس400». تجادل واشنطن بأن وجود النظام على أرض الناتو سيضر بأمن الحلفاء بحجة أنه يمكن لروسيا الحصول على معلومات حول الطائرة إف35. إبرام صفقة «إس400» يعتبر انتصاراً دبلوماسياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد يحدث شرخاً في تضامن حلف الناتو وربما يقوض أمنه. أعضاء لجان القوات المسلحة والعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي كتبوا في صحيفة «نيويورك تايمز» الشهر الماضي: «بحلول نهاية العام، سيكون لدى تركيا إما طائرات مقاتلة متطورة من طراز إف35 على أراضيها، أو نظام دفاع صاروخي أرض-جو روسي من طراز «إس400»، لن يكون لديها كلاهما». الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحذر أردوغان من إتمام الصفقة، ووجهت واشنطن إنذاراً لأنقرة بطرد الطيارين الأتراك الذين يتدربون على استخدام الطائرة إف35 إذا تمت الصفقة، ومسؤولون أتراك يؤكدون أن لا تراجع فيما يتعلق بصفقة «إس400»، لكنهم يعترفون بأنهم يستعدون للعقوبات الأميركية بموجب «قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات».
أردوغان يتبع طريقة الاستقطاب في عمله، إلا أن ذلك أمر صعب عند التعامل مع القوى العظمى مع الرئيسين بوتين وترامب. المراقبون يرون أن أردوغان أصبح مديناً للرئيس بوتين في السنوات الماضية. رغم سياسة أردوغان المشبوهة تجاه سورية، تدعم موسكو الدولة السورية الشرعية، على حين يدعم أردوغان مجموعة متنوعة من التنظيمات الإرهابية التكفيرية في سورية. تشكل تركيا الآن الجزء الضعيف بين القوى الثلاث في سورية، مع روسيا وإيران. تلقي موسكو باللوم على أنقرة لفشلها في السيطرة على جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، حتى إن بعض الصحافيين الأتراك يصورون الأمر على أنه خيار بين إتمام صفقة «إس400» أو الهجوم على إدلب. إذا كان أردوغان يعادي الولايات المتحدة حقاً، فلن تكون فقط عضوية تركيا في حلف الناتو أو في الاتحاد الخاص بإنتاج الطائرة إف35 هو موضع التساؤل.
الإصرار التركي على شراء المنظومة الروسية، ستعرض أنقرة لعقوبات منها حرمانها من نظام «باتريوت» الصاروخي، وطائرات إف35 الحربية. حالة شراء الولاء الروسي، مقابل دعم موسكو للرئيس التركي في الداخل والخارج، وما يزيد الأمر وضوحاً هو أن روسيا الرابح الأكبر من هذه الصفقة على الصعيد العسكري والاقتصادي والنفوذ الروسي، على اعتبار أن نشر هذه المنظومة في تركيا سيكون أيضاً دعاية اقتصادية للأسلحة الروسية، قد تحفز دولاً في الاتحاد الأوروبي على الحصول على هذه المنظومة، إلى جانب ذلك يعتقد أردوغان أن الإصرار على شراء ونشر منظومة «إس400» الروسية، سيشكل ضغطاً على واشنطن فيما يتعلق بملف الأكراد في سورية، والذين يتلقون الدعم من الولايات المتحدة، بالمقابل الولايات المتحدة تملك أوراق ضغط ستمارسها على أنقرة، منها فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على تركيا، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي وهروب الاستثمارات من الداخل التركي، أردوغان يطبق سياسة اللعب على الحبال، أقام صداقة مع بوتين في عام 2016، بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية في سورية. وتصالح مع ترامب العام الماضي بإطلاق سراح قس أميركي متهم بالتواطؤ في الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016. من جانب آخر تحالف أردوغان مع قطر بسبب سياساتها التخريبية ودعمها للإرهاب، وتنظيم الإخوان الذي شهد سقوطاً في الشرق والغرب، كل ذلك أثار مشاعر الشعب التركي الذي يعبر عن غضبه واستيائه من سياسات أردوغان وحزبه. انتكاسة داخلية وأخرى خارجية يتعرض لها أردوغان، تضاف إلى جعبة الفشل التي أثقلت كاهل الدولة التركية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لتتزامن انتكاساته الشعبية في الانتخابات المحلية التركية، فأردوغان يخرج من انتكاسة ليواجه انتكاسة أخرى، ويجد نفسه أمام خيارات صعبة أحلاها سيكون مراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن