عبثا يحاول أحدنا البرهان على أن الحياة يمكن أن يعيشها الإنسان من دون هدف أو غاية تنشدها البشرية بمختلف أطياف أبنائها، سواء كانوا مثقفين أم غير مثقفين متحضرين أم غير متحضرين. بيد أن هذه المعادلة لها شروطها كي تفرض حضورها على أرض الواقع وبشكل يعطي الهدف أو الغاية قيمتهما بحيث يكون الهدف وتكون الغاية في مقدمة سبل الارتقاء بحاملهما إلى الأعلى، فضلاً عن كونهما مثلين يمكن أن يحتذى بهما في الحياة.
ولعل أفضل الشروط التي يمكن أن تندرج في سياق هذه المعادلة، أن يؤمن الإنسان بقضيّة ما في حياته، وبمقدار ما تكون قضيّته ذات صلة بعملية الارتقاء بالبشرية نحو الأعلى والأفضل، يزداد حضوره بين الناس وعلى مدى التاريخ، بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو مكان عيشه، وكما هو معروف غالبا ما يرتبط التاريخ البشري بتاريخ حاملي القضايا الأكثر شمولاً وكبراً ونفعاً.
وفي التاريخ المعاصر، كما تشهد سجلاته، عظماء مفكرون وقادة سياسيون ومصلحون جادّون استطاعوا أن يكونوا أمثلة في سياق عملية السعي للارتقاء بمجتمعاتهم نحو الأعلى والأفضل، ولهذا الاعتبار بقيت أسماؤهم تتردد مع مرور الزمن ولا يخفت ألقها لأنهم باتوا أعلاماً ومعالم خالدة في سياق صنع التاريخ. وبلدنا سورية ليست بعيدة عن هذا الواقع، منذ أن كانت الكلمة في منطقتها مفتاحا للمعرفة التي أضاءت دروب كبار أدباء وفناني وسياسيي وقادة النضال فيها وحتى اللحظة. ومن هنا القول إن أمثال هؤلاء هم صناع التاريخ، الصناع الذين آمنوا بقضايا عظيمة ومن أجلها أحياناً تحملوا عبء المسؤولية الملقاة على عاتقهم وكانوا منارات العصر وكل العصور الآتية. ويؤكد هذا القول في حال عاد أحدنا إلى ذكر الأسماء التي صنع أصحابها التاريخ الخاص ببلادهم وببلاد الآخرين في الوقت ذاته. فحين يذكر الاسم غالبا ما نتذكر اسم البلد الذي ينتمي إليه. فاسم كاسترو يذكر بكوبا، واسم نابليون يذكر بفرنسا واسم تيتو يذكر بيوغسلافيا، واسم غاندي يذكر بالهند، وكذلك أسماء خالدة في سجلات التاريخ بينها حافظ الأسد وجمال عبد الناصر وآخرون، فضلاً عن أسماء كبار الرسامين والموسيقيين والكتاب والشعراء الذين صنعوا تاريخ بلدانهم ولا يمكن أن تمحى أسماؤهم من الذاكرة البشرية كيفما كان مهما طال الزمن.