تتخذ قصتنا مع «الرضى» منحى لطيفاً حين تبدأ الماكينة الحكومية بإصدار الإعلان تلو الآخر تأكيداً على أن كل هنّاتها، وشهيقها وزفيرها، وحتى دقات قلبها، تنحو باتجاه واحد بوصلته «رضى المواطن»!.
قبل عيد الفطر، قرأ «المواطن» مثيلاً لهذه «القافية» في الإعلان الرسمي عن مشروع «الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة» الذي وعلى أهميته، تم زجّه عنوة في «حلق» المساهمة بتحقيق «رضى المواطن»!.
هذا المنطق الفريد القائل بأن تبسيط الخدمات العامة يفيد في «استحلاب» رضى المواطن، إنما يرسخ انطباعاً سلبياً عن الفهم الدقيق لطبيعة هذا المشروع الحيوي، ما يدفع الحاجة إلى مراجعة اقتصادية لهذا النوع من المشاعر «الدافئة».
ما قبل الحرب، كان ليحتمل الواقع الاجتماعي استخدام «رضى المواطن» في الترويج لمبادرات تبسيط الخدمات العامة، أما اليوم، فقد أضحى تبسيطها ضرورة تجرّ وراءها تقليصاً ملحاً في الإنفاق وفي تكاليف اللوجستيات، لا بل حتى تكاليف اهتلاك المرافق ومصاريف الطاقة والنقل التي يتكبدها العموم في سياق طلب الخدمة، باتت تشكل عبئاً ملموساً على الإنفاق الحكومي الجاري.. فمثلاً، قد نقع على أرقام صادمة فيما لو انبرت جهة ما لاحتساب تكلفة دعم المشتقات النفطية التي يتم استهلاكها أثناء تتبع طالبي الخدمة لمتعرجات حبل سرة الفساد الملتصق بمشيمة الروتين.
في سياق مشابه، ذهبت وزارة الإدارة المحلية قبل أيام إلى استنساخ «الرضى» في معرض تشريحها لأشكال الدعم التي تقدمها للمستثمرين، مفردة مساحة وازنة في أحد بياناتها لتعداد «أشكال الدعم المقدمة لمستثمري المناطق الصناعية والحرفية»، وعلى رأسها: «تطوير التشريعات والأنظمة لتبسيط إجراءات الاستثمار».
الفلسفة السابقة، تشير إلى أن «رضى» المستثمر و«رضى» المواطن ينتميان إلى المدرسة الفقهية ذاتها، فمن ينظر إلى تبسيط الخدمات العامة كـ «هبة» يتم إغداقها لبلوغ «رضى المواطن»، فسوف يسهل عليه النظر إلى تفكيك كارثية التعقيدات التشريعية والإدارية التي تخنق الاستثمار كأحد أشكال دعم المستثمرين لا كمهمة وطنية ملحة لتبريد تقرحات الاقتصاد ولتصحيح مؤشراته الكلية والفرعية المتدهورة، بما في ذلك التزايد المطرد في حصة المستوردات من عموم الطلب المحلي، وتعمق الخلل في توزيع الأرباح الكلية جراء البطالة، وما ينجم عن كليهما من ركود وتضخم يقيدان يدي الاقتصاد الوطني، بشكل متعاكس.
رغم ما سبق، ثمة فائدة من معاينة النظرة الحكومية إلى تبسيط الإجراءات كـ «هبة» أو «دعم» للمواطنين والمستثمرين، تتجلى بالوقوف الدقيق على جذور التردي المزمن للخدمات والتعدد اللااقتصادي لمكاتبها الأمامية!
ولأنها كذلك، لعلنا بحاجة إلى «إستراتيجية» خاصة بـ«تصحيح سوء الفهم الرسمي للضرورات الاقتصادية لتبسيط الإجراءات».