قضايا وآراء

الإسلام السياسي: تعويم «الصوفية» في دراما رمضان 2019

| مازن جبور

السياسة والدين والدراما اجتمعا في الموسم الرمضاني لهذا العام، على إظهار جانب مهم من طبيعة الصراع القائم في المنطقة بجانبه الأيديولوجي، بين التيارات الدينية، الوهابية السعودية والإخوانية القطرية التركية، إذ تم التركيز على التيار الصوفي وتعويمه من القنوات الفضائية الإماراتية ما يوحي بدفع إماراتي لإعادة إبراز هذا التيار مجدداً كتيار يناسب المرحلة التي تمر بها المنطقة بما يحمله من قيم نبذ العنف ويدعو إلى الحب والسلام ومقاومة الاحتلال ويدعو إلى العقلانية وأعمال الفكر.
واتسمت المرحلة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط بالتشدد والظلامية الناتج عن تيارات دينية متطرفة تتمثل بالوهابية السعودية والإخوانية التركية القطرية، قادت إلى صراع سياسي أيديولوجي لعقود عدة، ثم اتخذ طابعه العسكري الدامي منذ مطلع القرن الحالي، هذا الصراع الذي تمر به المنطقة حالياً وإن كانت نتائجه واضحة في سورية إلا أن شعوب المنطقة ككل قد مرت بها، وباتت هذه الشعوب متعطشة لفكر معتدل لا مكان للتطرف فيه.
إن ضالة شعب المنطقة المتمثل بالاعتدال ونبذ التطرف والبحث عن الحب والسلام، يبدو أنه موجود في التيار الصوفي باعتباره يحمل الكثير من النقاء والصفاء وما يسرّه هو الحب والاعتدال، إلا أن اللافت هو جنوح القنوات الخليجية وخصوصاً الإماراتية منها، إلى عرض الأعمال الصوفية المنتجة باستخدام أدوات الدراما السورية.
لقد كان موسم رمضان الدرامي لعام 2019 حافلاً بالتيار «الصوفي»، بدءاً من «الحلاج» أو «صراع الجواري» وعرضته قناة أبو ظبي، وكذلك «مقامات العشق» الذي عرضته فضائيات الإمارات وأبو ظبي، كما أن مسلسل «العاصوف» تطرق إلى التيار الصوفي أيضاً، وكذلك مسلسل «عندما تشيخ الذئاب» الذي عرضته قناتا الإمارات وأبو ظبي، أما على مستوى الإنتاج المحلي فلدينا عمل «ترجمان الأشواق» وتمثلت الصوفية باسم العمل، وهو ديوان شعري للشيخ الصوفي الأكبر محيي الدين ابن عربي.
تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من خلال تعويم التيار الصوفي في الموسم الرمضاني الفائت، أهمها:
أولاً: طرح تيار ديني جديد لإظهار الدول الخليجية بمظهر صاحبة الأخلاق السامية وصاحبة الإسلام المعتدل بعد موجة التشدد العنيفة التي ضربت المنطقة ومنبعها السعودية حليفة الإمارات، وتركيا وقطر، وأنجبت أبناءها من تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين.
ثانياً: مما يعمل التفكير هو السبب الذي يجعل الإمارات عبر فضائياتها وبشكل خاص محطات أبو ظبي ودبي بقنواتها المختلفة هي من تعرض هذه الأعمال، وهي الحليفة للسعودية الوهابية والمعادية لقطر وتركيا الإخوانية، ولعل التقدير الأرجح هنا أن الإمارات وبدفع من تيار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسعى لإعادة هيكلة السعودية بعيداً عن واجهة التيار الديني الوهابي بهدف تمكينه من تثبيت حكمه للسعودية في قادم الأيام وتحقيق مشروعه الذي يتطلب المزيد من الانفتاح في السعودية، الأمر الذي يعارضه التيار الوهابي، فلذلك عملت الإمارات على إعادة بث الحياة في التيار الصوفي من خلال الدراما.
ومن ثم فإن التبني الإماراتي للتيار الصوفي في الدراما أتى بالتوافق مع السعودية ورغبة من الأخيرة بعدم استثارة الوهابية التي تمتلك زمام السلطة الدينية في السعودية، وخصوصاً أن الوهابية وابنها العاق الإخوان المسلمين هم من حارب التيار الصوفي الذي كان قوياً في المنطقة مع مطلع القرن العشرين وعملوا على تدميره، وحلوا محله كتيارات عنيفة متطرفة تكفيرية.
ثالثاً: لا يمكن إخراج إعادة إحياء التيار الصوفي من الدول الخليجية إلا في إطار صراعها مع إيران «الشيعية» في المنطقة.
يبقى السؤال الأهم حول ما طرحته الدراما من أعمال صوفية، هو طريقة العرض الأمر الذي سيقودنا إلى فهم دقيق للأهداف والغايات في ظل الوضع الذي تمر به المنطقة، خصوصاً أن الأعمال الدرامية التي تتناول التيار الصوفي مستمرة عبر مسلسل «شمس الدين التبريزي» القطب الآخر للصوفية.
وتشير الدراسات والكتابات إلى أن الصوفيين جماعات اشتهروا بإحداث طرق في العبادة والتنسك في صلواتهم، وفي أذكارهم وفي خلواتهم، ويقال لهم الصوفية، وقال البعض إن معناه من التصوف لأنهم يلبسون الصوف، وقال بعضهم: إنها من الصفا وأن النسبة غير لغوية، يعني: غير مستقيمة على الطريق السوي في النسبة، وأنها من الصفا، وأنهم يعتنون بصفاء القلوب من الكدر. من كدر الذنوب وكدر الكسب الحرام ونحو ذلك، فالتصوف هو التعبد على طريقة خاصة.
والتصوف مر بمراحل مختلفة، إذ بدأ بالزهد والزهاد في البصرة، ثم تحول بعد ذلك إلى طرق صوفية لكل منها معالمها المتميزة، ومن ثم صارت تأخذ مناحي مختلفة رويداً رويداً، إلا أنه يمكن التمييز في الصوفية ثلاث مراحل واضحة، ففي الأولى كان التيار الصوفي يدعو إلى الزهد والحب والتسامح وينبذ العنف، وكان يغلب على أصحابها جانب العبادة والبعد عن الناس، مع التزامهم بآداب الشريعة، والمرحلة الثانية تميزت بالانتقال إلى العقلانية والتوجه نحو الفكر والعلم في الطريقة الصوفية، حيث تسربت الفلسفة اليونانية إلى الطريقة الصوفية، أما المرحلة الثالثة فركزت على التوحد ومقاومة المحتل، وقد أدخل فيها المتصوفة مصطلحات غامضة فتحدثوا عن الفناء والبقاء، وفي هذه المرحلة نشأ لديهم ما يسمى بعلم الظاهر والباطن.
إن النظر إلى ما سبق ذكره، يترك مدلولات على أن الصوفية اليوم تيار مناسب للمرحلة الحالية التي تعاني فيها منطقتنا العربية من الإرهاب والاحتلال ومن العنف والبغض، وهي بحاجة لتيار فكري وبالضرورة إسلامي يراعي وضع المنطقة القائم ويحاكي طبيعة تكويناتها، ولعل اللجوء إلى التيار الصوفي كان خياراً صحيحاً، إذا ما نظرنا إلى الصوفية على أنها حالة من حالات الحب الإلهي ولها مقوماتها وأسسها التي يمكن لكل الناس التعاطي معها، إذ إن كل منا يستطيع أن يكون صوفياً بالطريقة التي تناسبه.
كما أن الصوفية تحسب على الإسلام المعتدل، إلا أن توقيت إعادة إحياء التيار الصوفي ومن وراءه وأهدافهم المضمرة هو ما يثير الكثير من الهواجس، خصوصاً أن قطر وتركيا مثلاً ركبوا في السابق موجة المقاومة باعتبارها خياراً إستراتيجياً لشعوب المنطقة لتحرير الأرض من المحتل، إلا أنهم سرعان ما كشفوا عن نواياهم الحقيقية من خلال تكوين أرضية لدعم وتعويم التيار الإخواني.
وهنا بالمقارنة مع التجربة القطرية تثار الكثير من الهواجس حول الدعم الإماراتي للتيار الصوفي من خلال الدراما، خصوصاً أن الإمارات حليفة السعودية الوهابية، وأي موجة تريد أن تركبها وما هي دوافعها وأهدافها المضمرة من ذلك، مع العلم أنه أي كانت الأهداف فإن التيار الصوفي قد يكون مناسباً لإحداث قطيعة مع مرحلة العنف والإرهاب والدموية التي مرت بها المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن