قضايا وآراء

الانتخابات الرئاسية الأميركية .. وقضايا العرب والشرق الأوسط

د. قحطان السيوفي :

يستأثر موضوع الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الأميركية بالمشهد الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية، وعادة ينتهي موسم الاستعدادات هذا بانتخاب رئيس جديد في أول ثلاثاء من تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، وانتخاب كل أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ. ومما يثير الاستغراب والدهشة لدى القارئ وجود ثلاثين مرشحاً للرئاسة الأميركية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي… والأمر الذي قد يثير الدهشة أكثر هو احتمالات أن يصل أحدهم إلى البيت الأبيض وقد تدفع الولايات المتحدة والعالم تداعيات نقص خبرته بل لنقل ثمن جهله.
المنافسة على الرئاسة الأميركية بين مرشحي الحزب الجمهوري (وشعاره الفيل)، والحزب الديمقراطي (وشعاره الحمار) تحكمه اعتبارات متعددة، ومتشابكة بل معقدة أحياناً، وهناك تناقضات تاريخية ومفارقات مختلفة المنابع، لأسباب محلية ودولية.
المشهد الأميركي يظهر المرشح (سكوت ووكر) من الحزب الجمهوري، وهو حاكم ولاية، يضع في برنامجه الانتخابي العمل على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني. بالمقابل هناك مرشحان من حزب الفيل والحمار على السواء بالكاد يعرفون أين تقع إيران!!! جيب بوش مرشح جمهوري من عائلة بوش… يعلن معارضته لسياسة جورج بوش الابن.. المرشح (دونالد ترامب) مهرج جمهوري له تأييد واسع في الأوساط الجمهورية وهو قليل المعرفة بشؤون السياسة الخارجية ويطالب ببناء سور بين الولايات المتحدة والمكسيك، وطرد المهاجرين غير الشرعيين. هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية وزيرة خارجية سابقاً، وزوجة رئيس سابق، تعتبر في رأي البعض أكثر خبرة واعتدالاً، وتميل للبعد عن المغامرات العسكرية الخارجية… وعلى الرغم من تعاطف، وهوى هيلاري كلينتون مع إسرائيل إلا أن الإعلام الليكودي الصهيوني في الولايات المتحدة بدأ يشن حملة مضادة لكلينتون، ومع ذلك تحافظ كلينتون على تقدمها بين المنافسين الديمقراطيين. مشهد مسرح الاستعدادات للسباق إلى البيت الأبيض يكشف مدى الاحتيال والمراوغة في اللعبة الأميركية، حيث تسيطر الحملات الدعائية اللامنطقية على المسرح بين المتنافسين، وجميعها تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية والعمل على الاستفادة من موارد العالم العربي وإضعافه، بل السعي لتفتيته… وما الدعم الأميركي المستمر لما سمي الربيع العربي وتداعياته السوداء على العديد من الدول العربية سوى دليل واضح على ذلك… ومؤشر على ما تتضمنه وستتضمنه برامج المرشحين للرئاسة الأميركية من عداء واضح، وغير مباشر لحركة التحرر العربي بكل مكوناتها… واستمرار لمحاولات فرض الهيمنة الأميركية المتراجعة في ضوء تقدم القطبية الثنائية منذ ما بعد عام 2005 ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن سياسة جورج بوش الابن كانت قائمة على ردات فعل لأحداث أيلول الإرهابية 2001، والتي كانت ارتداداً لتنظيم القاعدة الإرهابي على صانعيه (الولايات المتحدة)، بمعنى آخر سياسة أميركا دعمت الإرهاب، وارتد عليها، وإجراءات ردود الفعل لجورج بوش الابن بغزو العراق وأفغانستان جاءت رداً على ذلك… ثم جاء الرئيس أوباما ليعتمد سياسات التردد والانكفاء… وحرباً أميركية في الخارج بالوكالة عن طريق حلفاء أميركا التقليديين في الشرق الأوسط الذين دعموا، ويدعمون الإرهاب… إن التظاهر بمكافحة الإرهاب حالياً، والبطء في آليات عمل الإدارة الأميركية هو نوع من الحركات البهلوانية التي ظاهرها نوع من النفاق الدبلوماسي الدعائي، وباطنها رغبة في إدامة عمر الإرهاب بحجة توفير المناخات المناسبة لمحاربته خلال سنوات طويلة… وإن السياسة الأميركية في عهد بوش الابن، وباراك أوباما بالتتالي تأخذ طابع العمل الجيوسياسي العبثي المغامر في عهد الأول، كما تأخذ طابع البطء والتردد من حيث الشكل حالياً في ولاية الثاني.
اين تقع قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي في بازار الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ تداعيات الربيع العربي الأسود من الإرهاب التكفيري، وما رافقه من استهداف وتدمير لمؤسسات، ومكونات الدولة الوطنية في العالم العربي لتفتيته، وعمليات السبي، والقتل، والذبح، والإبادة الجماعية وتشريد الملايين على يد داعش والنصرة وأخواتهما من التنظيمات الإرهابية. كل ذلك يحظى بمباركة ضمنية في برامج المرشحين للسباق إلى البيت الأبيض؛ باعتبار أن كل ذلك يخدم أمن إسرائيل ويجعل العالم ينسى القضية العربية المركزية (فلسطين) ويحول قضايا العرب إلى مشاكل اقتتال داخلي أو بين الدول العربية، وتصبح مشاكل اللاجئين من الدول العربية قضايا الساعة. بالمقابل يحتل موضوع الاتفاق النووي الإيراني حيزاً مهماً قي أغلب برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية المرشح (سكوت ووكر) من الحزب الجمهوري، يضع في مقدمة برنامجه الانتخابي مثلاً العمل على إلغاء الاتفاق النووي الذي عقدت دول (5+1) مع إيران… ويجاهر بضرورة إعادة فرض العقوبات على إيران. إن معارضي الاتفاق النووي في الولايات المتحدة بما في ذلك المرشحون للرئاسة هم حلف بين لوبي الصناعة، واللوبي الإسرائيلي، مما يذكرنا بالتحذير الذي سبق لـ(دوايت ايزنهاور) أن أطلقه من خطر تحالف الصناعة والعسكر…… ولعل أهم صفة لمعارضي الاتفاق النووي الإيراني في أميركا أنهم مؤيدون للحرب على العراق، وأنها كانت مشواراً … مع أنها كلفت آلاف القتلى، وما يقارب تريليون دولار… الانتخابات الرئاسية الأميركية أشبه ببازار للمرشحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يعرض فيه هؤلاء برامجهم الانتخابية من خلال حملات إعلانية دعائية يغلب عليها، عادة، الترويج والحماس لأمن إسرائيل، ومحاربة مكونات حركة التحرر العربي باتجاه تشجيع الإرهاب، أو السعي لإطالة عمر التنظيمات الإرهابية… وبما يؤدي لنشر الفوضى في الشرق الأوسط، وتفتيت العالم العربي، وتغذية الصراعات الطائفية والمذهبية… وكل ما يصب في مصلحة الكيان الصهيوني… دون أن ننسى تكالب المرشحين على المصالح النفطية الأميركية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية… ناهيك عن الترويج لمصالح شركات صناعة الأسلحة الأميركية. أي يميل المرشحون لإرضاء المصالح السياسية والاقتصادية لأصحاب مراكز القرار في أميركا شركات صناعة الأسلحة، شركات النفط، بيوتات المال في وول ستريت؛ واللوبي الصهيوني الحريص على أمن إسرائيل… وكل قضايا الشرق الأوسط، والعالم العربي ينظر إليها من خلال مصالح أصحاب مراكز القرار التي أشرنا إليها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن