قضايا وآراء

أميركا في سورية.. إستراتيجية ثابتة وتكتيك متغير

| محمد نادر العمري

«أميركا لن تغادر منطقة الشرق الأوسط»، هذا ما أكده أكثر من مسؤول سياسي وعسكري في إدارة الرئيس دونالد ترامب عبر تصريحاتهم الإعلامية بعد احتواء قرار ترامب المتعلق بالانسحاب من سورية، وما أثير بعده من قراءات وتفسيرات مختلفة عن دور واشنطن في المنطقة، إلا أن ذلك التأكيد لا ينفي وجود «تكتيكات أميركية» مغايرة على الأرض في ضوء الإستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة حالياً في الشرق الأوسط، والمحددة في ملفات «توظيف الإرهاب بذريعة قتاله، ومواجهة إيران ومحور المقاومة، وضمان أمن إسرائيل»، تفرض معطيات جديدة على طاولة المعادلات السياسية والأمنية في المنطقة كلها.
وفي ضوء تلك المعطيات فإن جملة من التساؤلات طرحت نفسها على الساحة الداخلية الأميركية، عززها غموض الكثير من اتجاهات السياسة الخارجية الأميركية في ضوء تضارب بعض مواقف وتصريحات إدارة الرئيس دونالد ترامب، من بين تلك التساؤلات ما يتعلق بدور قوى داخلية من اللوبيات ومراكز التأثير في صنع القرار فيما يتعلق بالمنطقة، ومن يكون له النصيب الأوفر في تحديد ملامح السياسة الخارجية.
فعلى الرغم من إدراك الولايات المتحدة أن مبررات إبقاء قوات احتلالها في سورية غير قانونية وليس لها أي مسوغ سياسي، ما زالت كواليس صنع السياسة الخارجية تبحث وتتمسك بتكتيكات من شأنها تحقيق الإستراتيجية الثابتة لأميركا والمتمثلة بالهيمنة، وفق ما أظهرته خطة أميركية جديدة من 10 بنود في سورية أظهرت «إستراتيجية جديدة» تحول سورية إلى ساحة للصراع الإقليمي والدولي، وخصوصاً فيما يتعلق بـ«تقليص» نفوذ إيران والتجاذب الأميركي الروسي، مع تراجع البحث الجدي عن حل سياسي.
هذه الوثيقة رفعها 400 عضو «من أصل 535 عضواً» من مجلس النواب والشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين إلى الرئيس دونالد ترامب لإقرار خطة أميركية و«إستراتيجية جديدة» حول سورية تبين مدى تراجع الاهتمام بالشأن الداخلي السوري، بل إن الرسالة التي تقع في ثلاث صفحات خلت من أي إشارة إلى القرار 2254 أو الحل السياسي.
إضافة لذلك، هناك العديد من النقاط المهمة التي تضمنتها هذه الوثيقة ويمكن ملاحظتها بشكل واضح ولا لبس فيه:
1- تحديد أولوية ضمان أمن الكيان الإسرائيلي وحماية المصالح الأميركية في المنطقة حيث تضمنت الرسالة: «يتسم الصراع السوري بدرجة كبيرة من التعقيد، كما أن الحلول المحتملة المطروحة لا تتسم بالمثالية، ما يبقي خيارنا الوحيد هو تعزيز السياسات التي من شأنها الحد من التهديدات المتصاعدة ضد مصالح الولايات المتحدة، وإسرائيل، والأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي في المنطقة، وتتطلب هذه الإستراتيجية توافر القيادة الأميركية الحازمة، مع التهديدات التي يجابهها بعض من أوثق حلفائنا في المنطقة».
2- المساواة والموازاة في تصنيف أعداء أميركا بين التنظيمات الإرهابية ومحور مكافحة الإرهاب، فبحسب الرسالة «إن التهديد في سورية يأتي من أربع جهات، تتمثل في التنظيمات الإرهابية «داعش والقاعدة» وما يتفرع عنهما، إضافة إلى روسيا وإيران و«حزب الله» داعية لاتخاذ خطوات وإجراءات لمواجهة هذه المخاطر.
3- حثت الوثيقة وفق اقتراح معديها الرئيس ترامب على تبني خطة أميركية جديدة تتضمن ثلاثة عناصر، هي:
أولاً: شرعنة العمليات العسكرية العدوانية لكيان الإسرائيلي في المنطقة وتسخير الدعم الأميركي خدمة لذلك، وفق ما ادعته الوثيقة «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس»، إذ أشارت إلى أنه: نظراً للأوضاع شديدة التقلب في الشرق الأوسط، فما يزال من الأهمية بمكان التأكيد للصديق والعدو في المنطقة أننا ما نزال ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، إضافة إلى تنفيذ مذكرة التفاهم ذات السنوات العشر بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والرامية إلى ضمان وصول إسرائيل إلى الموارد والمواد التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها في وجه التهديدات التي تجابهها على طول حدودها الشمالية.
ثانياً: استثمار الحرب على سورية للضغط على إيران وروسيا في آن واحد، بهدف تغير سلوك نظام الأولى وإغراق الثانية بمستنقع الحرب على الإرهاب، واقترحت «الخطة» الأولية على إدارة ترامب «العمل مع حلفائنا وشركائنا لزيادة الضغوط على إيران وروسيا بغية تقييد أنشطتهما المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة»، وبين ذلك مواصلة الجهود الاقتصادية والدبلوماسية لـ«مواجهة الدعم الإيراني لـ«حزب الله»، والجماعات المسلحة الأخرى، فضلاً عن الدعم الروسي المباشر للدولة السورية والشرعية السياسية.
ثالثاً: زيادة الضغط على «حزب الله»، عبر التنفيذ الكامل والقوي لقانون منع التمويل الدولي للحزب الصادر عام 2015، ومذكرته التعديلية الصادرة عام 2018، بحسب الرسالة، التي أضافت: إن «العقوبات التي تستهدف «حزب الله» ومن يشرفون على تمويله تمكن «واشنطن» من الإقلال من قدراته على تهديد وتحدي إسرائيل والضغط على «قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان» «يونيفيل» لتنفيذ تفويض مجلس الأمن الدولي بالتحقيق فيه والإبلاغ عن الأسلحة والأنفاق التي يُعثر عليها عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل»، ولتحقيق ذلك سارعت واشنطن للضغط على حلفائها الأوروبيين بتصنيف الحزب ضمن قوائم الإرهاب الدولي وسعت دبلوماسيتها إلى محاولة إحداث حرب أهلية جديدة عندما وضع رئيس دبلوماسيتها ووزير خارجيتها مايك بومبيو الشعب اللبناني أثناء زيارته مؤخراً إلى بيروت بين خيارين: «إما حياة رفاهية ورفع الحصار مقابل استبعاد حزب اللـه، وإما مواجهة الحصار الشامل».
ووفقاً للخطة التي من المحتمل جداً أن تتبناها الإدارة الأميركية، فإن عشر خطوات تنفيذية ستكون ضمن ديناميكيات التطبيق بهدف الوصول إلى ما سمته الوثيقة «حكماً جديداً في سورية بسياسة جديدة مع شعبه ومع جواره»، وتتضمن «أي الخطة»:
أولاً: البقاء في شمالي شرقي سورية عبر التنسيق مع دول أوروبية بحيث يكون الانسحاب الأميركي وتقليص عدد الألفي جندي متزامناً مع نشر قوات أوروبية تعوض النقص.
ثانياً: منع السوريين والإيرانيين من ملء الفراغ في شرق نهر الفرات حيث تقيم ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية» واستمرار دعمها بغطاء من التحالف الدولي الذي يضم 79 دولة.
ثالثاً: تمديد اتفاق مذكرة «منع الصدام» بين الجيشين الأميركي والروسي في أجواء سورية.
رابعاً: دعم الحملة الإسرائيلية في استهداف «مواقع لمحور المقاومة» لالتزام «الخطوط الحمر» في سورية وفق تعبير الوثيقة.
خامساً: التنسيق الأميركي الأوروبي في فرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية ومؤسساتها وشخصيات مقربة بهدف تغيير مزاج الشارع السوري وتحقيق خرق في استحقاق عام 2021.
سادساً: الضغط على الدول العربية لمنع التطبيع الثنائي «بين الدول» والجماعي «عبر الجامعة العربية» مع الحكومة السورية.
سابعاً: تجميد المساهمة في تمويل إعمار سورية قبل تحقيق المعايير التي تحددها واشنطن وتحقق مصالحها «المبادئ ومعالجة التهديدات» وفرض عقوبات على رجال أعمال سوريين منخرطين في مشروعات الإعمار «كما حصل في القائمة الأوروبية الأخيرة، حيث ستصدر قائمة جديدة قريبا».
ثامناً: منع إعطاء شرعية للحكومة السورية في المؤسسات الدولية والدول الغربية والعربية.
تاسعاً: الضغط على الدول المجاورة لسورية لعدم التعاون مع خطة روسيا لإعادة اللاجئين.
عاشراً: استمرار استخدام ملف الكيميائي كذريعة لتبرير أي عدوان أميركي غربي جديد، واعتبار الكلور سلاحاً كيميائياً.
في الواقع إن هذه الوثيقة تتماهى مع ما يتم تلمسه في السياسة الأميركية اليوم تجاه سورية، فهي لا تبحث عن أي حل سياسي لا يحقق مصالحها لذلك فإن من يّدع أن واشنطن لا تملك أي إستراتيجية تجاه سورية فهو مخطئ، لأن إستراتيجيها لم تتغير منذ زرع الكيان الإسرائيلي في المنطقة ولكن التكتيكات هي التي تتغير، وما يسمى جماعات الضغط واللوبيات تتماهى مع أي إدارة في تنفيذ السياسيات الخارجية بل تشارك في صنعها بهدف تحقيق هذه الإستراتيجية الثابتة منذ عقود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن