طوال الأسبوع الماضي كنت ممتلئاً بدخان الحرائق الإجرامية التي تنفذ في حقول قمحنا لمنع وصوله إلى صوامعنا لتعزيز صمود وطننا، وقد استنتجت أن الأيادي السوداء التي «تكفر بنعمة القمح» عديدة ومختلفة إلا أنها كلها، بقناعتي، تتصل بالمحتل الأميركي الذي يحاصرنا ويفعل كل ما بمقدوره لتجويعنا، فالطائرات الأميركية قامت في العام الماضي بتدمير صوامع ومطاحن الحبوب في منبج عن عمد، في محاولة منها للانتقام من جيشنا البطل الذي أفشل مشاريعها ودحر عملاءها!
نعم، كنت أنوي أن أكرس هذا المقال لنعمة القمح، إلا أن الحوار الذي أجرته الفضائية السورية مع الأستاذ عماد سارة وزير الإعلام هيّج أشجاني بشدة لا تحتمل التجاهل أو التأجيل. والحق أن حملة: «ساعدونا لنصير أحسن» التي أطلقها التلفزيون مؤخراً، فتحت شهيتي للإدلاء بدلوي في هذا المجال نظراً لأنني أمضيت أكثر من ثلاثين عاماً في الصحافة السورية حيث أستطيع القول إنني بت أعرف مشاكلها جيداً.
أكثر ما استوقفني في حديث السيد وزير الإعلام قوله: «وجدنا من خلال أزمة الغاز والبنزين أن المواطن ابتعد عن وسيلة إعلامه الرسمية بسبب ابتعاد وسيلة الإعلام عن هذا المواطن». صحيح أن مشكلة الثقة طرحت نفسها بوضوح مؤخراً، إلا أنها مشكلة قديمة ومزمنة! ونظراً لأنني أثق بحسن نيات وزير الإعلام ورغبته في إحداث فرق، سأحاول فيما تبقى من هذه الزاوية أن أتوقف عند بعض مشكلات إعلامنا وتصوري لكيفية معالجتها.
– ثمة مشكلة عضوية ولدت مع القطاع العام الإعلامي لا تزال موضع خلاف، ولم تحسم تشريعياً حتى الآن، فالحكومة تعتبر المؤسسات الإعلامية تابعة لها، وتعتبر أن مهمتها هي نقل وجهة نظرها والدعاية لها. فيما يرى الإعلاميون أن المؤسسات الصحفية هي ملك للدولة السورية وأن أوجبَ واجباتها هو صنع المعرفة وتعرية الممارسات الخاطئة في الحكومة والمجتمع.
– في صحفنا الحكومية ثمة موظفون مهمتهم عدّ الكلمات التي يكتبها الصحفي لتحديد المكافأة التي يستحقها! وهذا الأمر يساوي بين كيلو البطاطا وكيلو الألماس، ويمكن حل هذه المشكلة من خلال تصنيف الكتّاب إلى درجات، أسوة بالفنانين، ووضع تسعيرة منصفة لكل نوع من الكتابة الصحفية وفقاً لذلك التصنيف.
– صحيح أن موارد إعلامنا المالية محدودة، قياساً إلى أي مؤسسة إعلامية- ميزانية قناة الجزيرة مثلاً تبلغ مليار دولار سنوياً-، لكن موارد إعلامنا على محدوديتها، تبدد. فمؤسسة الإعلان تستفرد بأربعين بالمئة من وارد الإعلانات التي تنشر في الصحف، من دون أن تفعل شيئاً. لذا أرى رفع وصاية تلك المؤسسة عن الإعلانات والسماح للمؤسسات الإعلامية، وخاصة الصحف، بأن تتفق مع المعلنين بشكل مباشر، كما أقترح أن يسمح لمحرري الصحف والعاملين فيها بتوفير الإعلانات، كما هو الحال في مصر، لقاء مكافأة تتراوح بين 5% من قيمة الإعلان الناجز، و10% من قيمة الإعلان التحريري، وفرض رقابة صارمة على سلوك الصحفيين لمنع اختراق أصحاب الفعاليات لهم ووضع حد لظاهرة الإعلان المُقَنَّعْ!
– في كل بلدان العالم يدلِّل مالكو الإعلام، الموالي لهم محدود الموهبة، من خلال وضعه في مركز القرار، لكنهم يحيطون المدير الموالي بمجلس إدارة مسؤول من ذوي الكفاءات، حيث لا يستطيع ذلك المدير اتخاذ قرارات ارتجالية كما لو أن المؤسسة مزرعة ورثها عن والديه.
– مما لا شك فيه أن دخل الصحفي السوري هو الأقل في العالم برمته، لذا أرى كخطوة أولى صرف تعويض الاختصاص حيث يكون 55% من الراتب الحالي، ويمكن توفير ذلك من خلال ضغط نفقات السيارات التي توضع في خدمة المدعومين.
– يتم التركيز حالياً على تقديم المعلومة الصحيحة للمواطن، غير أن هذا بحد ذاته لا يكفي، إذ يجب على الإعلام أن يعالج المعلومات الصحيحة بطريقة خلاقة وأن يقوم بتحويلها إلى معرفة تعزز الانتماء والهوية الوطنية.
بعد مشاهدة لقاء الأستاذ عماد سارة خشيت عليه من تفاؤله! فأزمة الثقة لا تعالج بالإرادة الطيبة رغم أهميتها. لقد مرَّ عليَّ الكثير من الوزراء والمديرين الذين أرادوا بإخلاص (النهوض بالإعلام)، لكنهم لم يغيروا الأسباب، لذا بقيت المشكلة على حالها، وقد حضرت اجتماعات كثيرة للتطوير حيث لخصت رأيي بأربع كلمات لا غير: «زيدوا القروش وقللوا الرقابة».