اقتصاد

موجة الربيع

| علي محمود هاشم

ليست الموجة الجديدة من تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار من خارج السياق، فخلال الأعوام الأخيرة من عمر الحرب، أضحى لموسم الحبوب موجته الاعتيادية الخاصة من تذخير الدولار، دعما لتسرّبه التلقائي خارج الصوامع الوطنية بتسهيل من التنظيمات العميلة على اختلاف مسمياتها القومية والقاعدية.
في سنواتها الأولى، اتخذت «حرب الحبوب» منحى وقحاً للغاية حين اضطر الغرب إلى إنفاق الكثير من «الفتاوى الشرعية» عبر الحدود وداخلها، لتبديل «العادات التاريخية» التي درج عليها قطاع الزراعة الوطني في تسويق الحبوب، قبل أن يستنبط إستراتيجية أكثر تماسكاً بالاعتماد على تكتيكات اقتصادية ومضاربين محليين، لتحقيق الغاية!
موجة «الحبوب» الربيعية هذه، تقابل «حرب الخريف» التي تستهدف تسعير «المشتقات النفطية»، مستلهمة طريقة «الصعق المفاجئ» لتحطيم قدرة الخزينة على الاستمرار بدعم استهلاك الطاقة محلياً، لتلاقيها تكتيكات «حرب الحبوب» بطريقة «الربط إلى سيخ شواء» تتخذ دورته سنة كاملة يتم خلالها استنزاف بطيء للاحتياطيات الأجنبية على شراء القسم الآخر من سلع سلة الدعم الأساسية.
خلال العام الماضي تموّهت معالم «حرب الحبوب»، حين تكفلت استعداداتنا اللوجستية الملتبسة بما فيها التراكبية المعقدة لدعم النقل والتسويق، في تجنيب الغرب وعملائه خوض استعراضهم «الشرعي» والاقتصادي السنوي المعهود، أما هذا العام، وإذا ما استمر نجاح موجة تذخير الدولار بالوصول إلى المستويات الحرجة الكفيلة بتثبيط السعر التشجيعي المعلن لكيلو غرام القمح بالليرة السورية، فسوف يمكن لأطراف الحرب تحقيق مساعيهم مجدداً بدعم من تلك الفجوات الكبيرة المتوزعة على كامل جسد عملية تسويق الموسم راهنا!
لماذا ينجح هذا السيناريو الممجوج مراراً وتكراراً متقمصاً ما يَقال «نأكل مئة كفّ على غفلة»؟!
يفعل ذلك لأننا نحتفظ للغرب وعملائه بفجوة كبيرة في جدار اقتصادنا الوطني، نواظب طوال العام على «سترها» بقماش بالٍ من شعارات «النخب الثالث» المنسوجة على أنوال «تعافي الإنتاج»، وهي فجوة غبّ الطلب للتسلل منها نحو أي استهداف نقدي طارئ لتحقيق أهداف اقتصادية أبعد.
المسؤولية الكاملة عن هذه «الفجوة» التي تمرر إلينا الريح أنّى تطلبت الحرب الاقتصادية ذلك، لا تقع على موظفي الاستعلامات المكلفين بحراستها، وإنما –حصراً- على عاتق سياساتنا الإنتاجية بكل أشكالها، ومهما تفننت التفسيرات العلمية في فكفكة أزماتنا النقدية عبر العرض والطلب والمضاربة وطفحان السيولة خارج القنوات المصرفية وما إلى ذلك، فهذه ليست سوى مظاهر خادعة لانعكاس المشكلة، لا حقيقتها.
رغم علمه بأن الحلول الحقيقية ليست نقدية كما لم تكن على الدوام، فقد يبدأ المصرف المركزي تدخلاً من طراز ما لوقف الموجة الراهنة في أسعار الصرف، وهذا يعني أننا على موعد مع توسعة جديدة لـ«فجوة الريح» عبر شراء مشكلتنا اليوم بمشكلة أكبر غداً، بينما الغرب على أهبة الاستعداد للتسلل منها بأريحية أكبر لإطلاق الموجة القادمة من الحرب الاقتصادية!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن