أدى نيجرفان إدريس بارزاني اليمين الدستورية كرئيس لإقليم كردستان في الـ10 من حزيران الحالي في «قاعة سعد عبد الله» للاحتفالات بدلاً من مبنى برلمان الإقليم بسبب مشاركة عدد كبير من الشخصيات السياسية العراقية والبعثات الدبلوماسية بالمراسم الدستورية، كان بينها رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، إضافة إلى حضور خارجي تمثل بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ووزير الخارجية السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، وأقسم الرئيس الجديد على القرآن الكريم، بـ«صيانة الدستور ورعاية مصالح العراق، وحماية وحدته واستقلاله».
في اليوم التالي صوت برلمان الإقليم على تكليف ابن عمه مسرور مسعود بارزاني بتشكيل حكومة كردستان بأغلبية أصوات 87 نائباً من أصل 97 نائباً حضروا جلسة البرلمان المكون من 111 نائباً.
بعد أقل من 24 ساعة أصدر رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني مرسوماً رئاسياً يقضي بتكليف ابن عمه مسرور برئاسة وزراء حكومة الإقليم، ولم يقاطع جلسة القسم سوى «حراك الجيل الجديد» الكردية المعارضة برئاسة شاسوار عبد الواحد.
الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، كان قد وقع مع الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير في الـ5 من أيار الماضي في لقاءين منفصلين على مسوّدة اتفاق سياسي مشترك لإقرار قانون جديد لرئاسة الإقليم وصلاحيات رئيسه، وتوزيع الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، ووفق ذلك نجح الحزب الديمقراطي الكردستاني في تمرير مشروع قانون إعادة تفعيل مؤسسة رئاسة إقليم كردستان وتعديل طريقة انتخاب رئيس الإقليم بأغلبية 89 صوتاً، رغم معارضة نواب «الاتحاد الإسلامي الكردستاني» وانسحاب نواب «حراك الجيل الجديد» من جلسة برلمان الإقليم في الـ8 من أيار الفائت.
في الـ28 من أيار أيضاً، وبشكل مفاجىء قاطع نواب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، إضافة إلى نواب «حراك الجيل الجديد» و«الاتحاد الإسلامي» و«الجماعة الإسلامية» جلسة برلمان الإقليم للتصويت على مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني نيجرفان بارزاني لمنصب رئاسة الإقليم، الذي نجح في الحصول على 68 صوتاً وذلك بفضل الأكثرية التي يتمتع بها الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان (45 نائباً). وقال المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني لطيف شيخ عمر في بيان له في الـ29 من الشهر ذاته: «لم نر حتى الآن أية خطوة لتنفيذ الاتفاق من الحزب الديمقراطي، بل بالعكس في كل مرة يفتعل مشاكل بشأن ملف انتخاب محافظ كردي لكركوك من حصة الاتحاد الوطني»، مشيراً إلى أن «انتخاب رئيس الإقليم دون أصوات كتلة الاتحاد الوطني سيضع ملف القرار والشرعية في الإقليم أمام أوضاع جديدة، كما سيضع ملف تشكيل حكومة الإقليم أمام احتمالات مفتوحة». كذلك قال القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني كارون أنور في تصريح صحفي له في الـ31 من أيار الماضي: إن «الديمقراطي خالف القانون بانتخاب بارزاني، كما خالف الاتفاق الذي أبرمه معنا ولم يلتزم ببنوده»، مؤكداً أن «الديمقراطي أعاد الأوضاع والمشاكل السياسية في كردستان إلى المربع الأول، وفي حال لم يتراجع، فإن الموضوع قد يندفع باتجاه الحرب الأهلية».
إن منصب رئيس إقليم كردستان، كان المصدر الرئيس لأغلب المشكلات والخلافات التي واجهت العملية السياسية في الإقليم منذ عام 2005، نتيجة للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها شاغل هذا المنصب الذي لا يحق لأية جهة محاسبته أو الطعن بقراراته، وكانت قد أدت إعادة تمديد فترة ولاية رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني لدورة ثالثة عام 2013 إلى معارضة واسعة من قبل القوى والأحزاب السياسية الكردية، التي كانت قد قدمت مشروعاً لتغيير نظام الحكم في الإقليم من رئاسي إلى برلماني انسجاماً مع الدستور والنظام السياسي في العراق، الذي رفضه مسعود طارداً رئيس برلمان كردستان يوسف محمد من منصبه، وهو من حركة التغيير في الـ12 من تشرين الأول 2015 لرفضه سحب المشروع، ومنعه من دخول مدينة أربيل حيث مبنى برلمان الإقليم، إضافة إلى طرد أربعة وزراء ينتمون إلى حركة التغيير في حكومة نيجرفان حينها، معطلاً البرلمان لغاية 29 تشرين الأول 2017، حيث اضطر مسعود إلى تقديم استقالته، وإلغاء العمل بمنصب رئيس الإقليم، وتوزيع صلاحياته على الحكومة والبرلمان، إثر تداعيات تنظيمه استفتاءً للانفصال عن العراق أدى إلى قيام بغداد بحملة عسكرية ضخمة استعادت على أثرها السيطرة على كركوك ومدن أخرى متنازع عليها مع أربيل، وإجبار مسعود على سحب نتائج الاستفتاء وإلغاء العمل به.
إقليم كردستان المكون من المحافظات العراقية الشمالية الأربع: إربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، الذي يتمتع بحكم ذاتي شبه مستقل، كان قد أجرى انتخاباته البرلمانية في الـ30 من أيلول 2018، حيث فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ45 مقعداً، والاتحاد الوطني الكردستاني بـ21 مقعداً، وحلت حركة التغيير ثالثاً بحصولها على 12 مقعداً، وحراك الجيل الجديد بـ8 مقاعد، والجماعة الإسلامية بـ7 مقاعد. وشهدت العملية السياسية التي أعقبت ذلك الكثير من الشد والجذب ومازالت مستمرة بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي والوطني، فضلاً عن الأحزاب المعارضة الفائزة الأخرى التي بدت أكثر حضوراً في هذه الانتخابات عن سابقاتها، في ظل استمرار الخلافات مع الاتحاد الوطني الكردستاني على وجه الخصوص حول تقاسم المناصب العليا في الإقليم، ومطالبته بمنصبي محافظ كركوك ووزارة العدل في الحكومة الاتحادية، التي لم تحل على الرغم من قيامهما بعقد عدة لقاءات في أربيل والسليمانية، وتدخل وساطات دولية لحلحلة الخلاف، ما أخر تشكيل حكومة الإقليم حتى تاريخه، وهي تتجه نحو المزيد من التأزم والتعقيد، خاصة في أعقاب تداعيات تفرد الحزب الديمقراطي بفرض مرشحيه نيجرفان لرئاسة الإقليم وابن عمه مسرور لرئاسة حكومة الإقليم، وفي ذات الوقت ترفض باقي القوى من الأحزاب الكردية الأخرى، هيمنة الحزبين الرئيسين، الديمقراطي والوطني، على مقاليد السلطة، وبترسيخ حكم العائلتين، بارزاني وطالباني، في إقليم كردستان منذ عام 1991، مهمشين باقي القوى والأحزاب الكردية المطالبة بإجراء الإصلاحات، لتصاعد مظاهر الفساد ونهب ثروات الإقليم من قبل الحزبين الرئيسيين.
لا يوجد لحد الآن ما يدعو إلى التفاؤل بأن فترة حكم أولاد العم ستكون مختلفة عن حكم العم مسعود، لأنهم في المجمل يمثلون ذات التوجه والأفكار والرؤى السياسية تجاه معالجة قضايا الإقليم وأزماته السياسية والاقتصادية وآلية تناول المشكلات العالقة مع بغداد، بتبديد ثروات العراق النفطية، والفشل في تجربة بناء مؤسسات حقيقية تستند إلى سيادة القانون والعدالة والشفافية والمساواة.
إن حالة عدم الثقة وحِدة التوتر مازالتا تغلفان الحراك السياسي في الإقليم، ما سيؤثر على مجريات تشكيل الحكومة، وقد يتسبب بانقسام برلمان الإقليم إلى جبهتين، ما ينعكس على مستوى أداء المؤسسة التشريعية في الإقليم، وقد يدفع باتجاه العودة إلى نظام حكم الإدارتين المنفصلتين مجدداً، واحدة في أربيل بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وثانية في السليمانية بقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، اللتان سبق أن نشأتا نتيجة القتال فيما بينهما بين عامي 1994 و1998، واللتان جرى توحيدهما في الـ21 من كانون الثاني 2006.
في ظل الصراع الخفي والتنافس المعروف بين أولاد العم، والصلاحيات الواسعة الممنوحة لكل منهما، واختلاف أسلوب عملهما ما بين نيجيرفان الدبلوماسي، ومسرور العنيف القادم من رئاسة المنظومة الأمنية للإقليم، هل يستطيع العم مسعود ضبط إيقاع أولاد العم داخل الإقليم وخارجه؟