انتهت قمة شنغهاي في 14 حزيران الجاري، بقرارات سياسية واقتصادية مهمة، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبرز الرؤوساء المشاركين، وقبلها كان الحدث الأبرز في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي العالمي، أيضا خلال الشهر الجاري، هو الحضور القوي والفاعل للرئيس الصيني شي جين بينغ ضيف شرف على المنتدى إلى جانب الرئيس بوتين وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وسبق للرئيس الصيني أن استضاف، قيل شهرين، القمة الاقتصادية «حزام واحد طريق واحد» لأكبر مشروع استثماري في تاريخ البشرية يشمل 68 دولة وقد انطلقت فعاليات منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي الدورة 23 تحت عنوان «تطوير أجندة التنمية المستدامة» شارك في المنتدى، مديرو كبريات الشركات الروسية والأجنبية، إضافة إلى سياسيين ورؤساء حكومات ووزراء وممثلين عن 140 دولة، ويعتبر المنتدى منصة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الاقتصاد الروسي. لم يحضر سفير الولايات المتحدة لدى روسيا المنتدى هذه السنة، لكن حضر وفد أميركي، كان ثاني أكبر الوفود بعد الوفد الصيني، هذا وتنظم فعاليات منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي منذ عام 1997، ويطلق على منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي اسم منتدى دافوس الروسي، نظراً لحجمه ومستوى المشاركين فيه هذا العام تجاوزت أهمية منتدى بطرسبرغ منتدى دافوس الغربي من حيث المشاركة والفعالية وخاصة أن المشاركة في هذا الأخير كانت باهتة وضعيفة هذا العام.
شارك بوتين في المنتدى شخصياً مع قادة أجانب ورجال الأعمال، لإظهار أنه لا يمكن عزل روسيا وأنها تبقى منفتحة على المستثمرين الدوليين، وكان الرئيس الروسي في خطابه تصالحياً بشأن ملفات دولية عدة خصوصاً مع الأوروبيين، إلا أنه بقي في المقابل حازماً في انتقاداته للولايات المتحدة، بشأن نزع الأسلحة محذراً من أن روسيا مستعدة للتخلي عن اتفاقية الحد من الأسلحة النووية المعروفة باسم «ستارت» التي تنتهي مدتها في العام 2021 وقد أكد بوتين موقف بلاده في إطار النقاط الرئيسية التالية: الهدف تنويع الاقتصاد والاعتماد قبل كل شيء على جذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية ولاسيما أن روسيا بحاجة ماسة للاستثمارات من أجل تحقيق الأهداف الطموحة التي حددها بوتين في مستهل ولايته الرابعة السنة الماضية، وهذه الأهداف التي أطلق عليها اسم المشاريع الوطنية تشمل مشاريع طبية والبنى التحتية وكلفتها 388 مليار دولار. لم تعد التجارة العالمية هي المحرك المطلق للاقتصاد العالمي، والمحرك الجديد الذي من المفترض أن تلعب التقنيات الحديثة دوره. لقد دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة الحروب التجارية ومستوى متزايد من الحمائية المباشرة أو المخفية فغدا النموذج الحالي للعلاقات الاقتصادية الدولية في أزمة، والمشاكل هنا تتراكم وتتضاعف على مدى العقود الماضية.
من الضروري زيادة كفاءة منظمة التجارة العالمية، وملؤها بمعانٍ جديدة، وأن تتكيف منظمة التجارة العالمية مع الواقع الحديث للتجارة العالمية. بالمقابل أعلن مستشار الرئيس الروسي «أنطون كوبياكوف» ما توصل إليه منتدى بطرسبورغ بالأرقام، 650 اتفاقاً بقيمة بلغت قيمتها 3 تريليونات و100 مليار روبل أي ما يعادل نحو 46 مليار دولار، قد أبرمت خلال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي. وقال كوبياكوف خلال المؤتمر الصحفي الختامي للمنتدى: «لقد حطمنا الرقم القياسي من حيث حجم الاتفاقات الموقع عليها خلال المنتدى، فقد جمع منتدى هذا العام أكثر من 19 ألف مشارك وضيف من 145 دولة، وأن 1300 شركة أجنبية وأكثر من 2500 شركة روسية شاركت في فعالياته. شدد خطاب الرئيس الصيني في المنتدى على مجموعة من المبادئ والتوجهات لنظام اقتصادي سياسي دولي مستقبلي لتنمية مستدامة وخلق عالم مزدهر وجميل من خلال قواعد أهمها:
– إن التنمية المستدامة هي «المفتاح الذهبي» لحل المشكلات العالمية الحالية، لصالح العالم بأسره.
– الصين على استعداد لمواصلة العمل مع جميع الأطراف لدعم مفهوم التنمية المستدامة، والدعوة إلى التعددية، لأن التنمية المستدامة تلبي تطلعات الأغلبية العظمى من البلدان في العالم، ولا يمكن لأحد أن يوقف شوق الناس لحياة أفضل.
– الصين تدعم خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 وتقترح تنسيق المهام الرئيسية الثلاث، وهي النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة وهكذا وضعت الصين رؤية جديدة للتنمية العالمية.
– الصين بصفتها أكبر دولة نامية في العالم، أوفت دائماً بثبات بالتزامها بالتنمية المستدامة وتعلق أهمية كبيرة على تعزيز التعاون الدولي.
– أكد الرئيس الصيني أنه تم عقد الدورة الثانية لقمة التعاون الدولي للحزام والطريق في بكين بنجاح، حيث اتفقت جميع الأطراف على الالتزام بمبدأ المشاركة، والبناء، والالتزام بمفهوم الانفتاح، والاستمرار في بناء شراكة عالمية للترابط.
– الصين على استعداد لمواصلة العمل مع المجتمع الدولي لترجمة الوعد الرسمي إلى إجراءات ملموسة والعمل معا لفتح مسار جديد للتنمية المستدامة، وإن الصين ستواصل توسيع انفتاحها على العالم، وخلق بيئة سوق عادلة وتنافسية.
– ستعزز الصين صندوق مساعدة التعاون بين بلدان الجنوب وصندوق السلام والتنمية بين الصين والأمم المتحدة للقيام بدورها الواجب وخلق المزيد من الفرص للبلدان النامية.
– ترغب الصين في مشاركة أحدث نتائج البحث العلمي مع الدول، بما في ذلك تقنية 5 G، في تنمية القدرة التنافسية الجوهرية الجديدة.
– الصين ترغب في تعزيز التعاون مع الدول الأخرى بشأن الحد من الفقر وقضايا الضمان الاجتماعي، وتحقيق شعور أكبر بالأمن لشعوب جميع البلدان.
بالمقابل خطاب الرئيس الروسي الذي ألقاه في الجلسة العامة لمنتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، قال فيه إن بلاده تمكنت من تجاوز أزمة اقتصادية عميقة، وإن بلاده تمكنت من ضمان استقرار سعر صرف العملة من دون اللجوء إلى تقييد حركة رؤوس الأموال في البلاد، وضمان استقرار الوضع وإخماد الاهتزازات السلبية، وفيما يتعلق بمسألة العقوبات أكد بوتين أن العقوبات التي فرضت على روسيا ستواجهها بمزيد من الانفتاح والحرية الاقتصادية وليس بالانكماش.
ناشد بوتين الحفاظ على النظام الدولي القائم على قواعد محددة، وتوحيد الصفوف في مواجهة «الأنانية الاقتصادية» والتوجهات الانفرادية، في إشارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
لقد أكد الرئيسان الروسي والصيني من منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي وكذلك في قمة شنغهاي أن مسار القوة الاقتصادية العالمية بدأ يتركز شرقاً، مع تراجع الهيمنة الأميركية على العالم بعد أن أصبح التنافس مع الصين والمواجهة مع روسيا مبدأ تنظيميا للسياسات الاقتصادية والخارجية والأمنية لإدارة ترامب.