من دفتر الوطن

قطار الزمن!

| عصام داري

في إحدى مسرحياتي تصورت قطار الزمن، صعد إليه شهريار وشهرزاد، كان يريد التخلص من حكايات زمانه: علاء الدين والسندباد وعلي بابا وبدر البدور ومرجانة وغيرهم، أما الآن فأنا أتمنى ركوب قطار الزمن، لكنني حائر في أي اتجاه أذهب؟
هل أسبق زمني وأنتقل للزمن الآتي لأكتشف كيف سيكون حال العالم بعد سنوات، أم أرجع إلى زمن مضى لأستعيد أمجاداً صارت أساطير وخرافات وحكايات نتغنى بها اليوم لنحفز أجيالنا الجديدة بالحديث عن تلك الأمجاد وعن بطولات أجدادنا الأوائل في كل العصور؟
أخاف إذا عدت أدراجي أن أصاب بالإحباط عندما أصطدم بالحقيقة التي حدثنا عنها شاعرنا الكبير نزار قباني عندما قال:
لا وقت لدينا للتاريخ.. فنصف حوادثه تزوير!
وأخشى أن يكون نزار متفائلاً، وأن التزوير في التاريخ أكثر من النصف، فماذا سأفعل حينها؟ وماذا سأروي لأولادي وأحفادي من قصص وحكايات عن رحلتي إلى الماضي السحيق؟
وبالمقابل أخاف أكثر إذا يممت وجهي نحو المستقبل أن تكون المصيبة أعظم! فقد لا أجد أثراً للعرب والأعراب، وأن تكون حقوقهم ضاعت وذهبت ريحهم، وتحول الوطن العربي – أو ما نعرف اليوم أنه الوطن العربي- إلى دويلات متناحرة متقاتلة، والأخطر أن هذه الدويلات لا تتحدث لغة الضاد، بل عدة لغات من الغرب والشرق والشمال والجنوب، وربما يكون العرب قد انقرضوا كبقية المخلوقات غير القادرة على التطور والتأقلم مع أحوال الدنيا ودورات الدهر!
كل هذه الأفكار وأكثر راودتني وأنا أستعيد رواية (آلة الزمن) وهي أول رواية خيالية للكاتب الإنكليزي هيربرت جورج ويلز يتخيل شخصاً سافر في آلة الزمن إلى العام 802701 بعد الميلاد، ومن ثم يذهب أبعد من ذلك ليصل إلى ثلاثين مليون سنة، ليجد أن الجنس البشري قد انتهى، وأن آخر المخلوقات الحية قد ماتت.
وإذ أذكر هذه التفصيلات فذلك لأشير إلى أن البشرية ستنقرض بفعل الحروب والقتل وتدمير البيئة واستنفاد ثروات كوكبنا وغير ذلك إذا لم تتعاون دول وشعوب الأرض لتفادي الكوارث القائمة والقادمة.
المهم في الأمر أنني أحلم بآلة الزمن منذ زمن! لكنني محتار في أي اتجاه أذهب، وهل سأعود بعد رحلتي تلك، ولماذا أصلاً أريد تجريب السفر في الزمن؟
أغلب الظن أنني سأعود إلى حيث انطلقت، فالإنسان يحن إلى موطنه وإلى مربع الصبا، وذكرياته التي كانت حلوة!
أما لماذا أريد السفر عبر الزمن فذلك لأني سأجرب ولو مرة في العمر الهرب من أسباب الصداع التي أذكر منها:
الفساد والفاسدون والمفسدون، ولصوص النهار، والليل أيضاً، والتجار الفجار الذين «يبلعون» لقمة الفقير، ويرفعون الأسعار ويمارسون العار من دون اعتذار!
وباختصار سأصطحب معي في هذه الرحلة نحو تسعين بالمئة من المواطنين الذين يعانون ما أعاني، ومن حقهم التمتع بأوقات جميلة ليس فيها كذب ورياء واحتيال وتكبّر وفجور ونميمة ودسائس وبخل و.. و.
وأتمنى أن تتسع آلة الزمن لهذا العدد الهائل من الناس، وأظن أنها لن تتسع، لذا من الأفضل أن يصعد إليها كل الذين ذكرتهم آنفا كي ينظف البلد، وأن تكون رحلتهم بلا رجعة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن