من المفارقات في الحياة، أن كثيرين من الناس لا يرضون بما قُسم لهم، أو بما أعطوا كلٌّ بحسب ما يستحق لاعتبارات تتعلق بإمكانياته، أي لاعتبارات ذاتية إن صح القول، ومع ذلك لا يكفّون عن التذمر والتأفف وعن إعلان سخطهم على الحياة في عديد من المناسبات الخاصة أو العامة. ومع أن شيئاً من الموضوعية قد لا يتوافر لديهم لإظهار مثل هذا السخط على حياتهم، وبالتالي على مستقبلهم، إذا ما لجأ أحدهم لمعرفة السبب «قلة تجاربه أو ثقافته أو معارفه وما إلى ذلك من عناصر الحيلولة دون بلوغه هدفاً يرمي أو كان يرمي إليه» يبقى يتذمر ويتأفف متجاهلاً أن العيب قد يكون فيه وليس في الدهر الذي كثيراً ما يصب غضبه عليه. ولأن هذه الظاهرة لا تقتصر على الجنس أو اللون أو المعتقد، فإن الحياة، بالمفهوم المجرد، ستبقى كما الحكم ببراءة متهم حتى تثبت براءته بالفعل. ومع هذا فإن أحداً من هؤلاء، إذا ما دنا من ساعة نهايته، تبدّت له الدنيا وجهاً جميلاً يصعب عليه مفارقته، كما الأمل عندما كان على مقربة منه ولكنه غفل عنه حتى اقترب من ساعة ضياعه بعد فوات الوقت.
في هذا السياق، يندرج التفاؤل أحياناً عند البعض ممن يتذمرون فيخرجون من دائرة اليأس وتحميل الدهر بقاءهم في هذه الدائرة إلى حين خروجهم منها، كما يندرج الأمل في المستقبل على نحو طلوع الضوء من العتمة ليهدي السائرين على الدرب في وضح النهار.
إن الحياة، بمعناها المجرد، كما أشرت، من أسرارها أن تحتفظ لذاتها بما يجعلها هدفاً منشوداً، بشكل أو بآخر، لتلبية حاجة كلّ من يراها بعين ومن زاوية، ومن هنا اختلاف السبل التي يستخدمها هذا أو ذاك من الناس وصولاً إلى هدفه، ويكون للحياة لديه مذاقها.
وفي كل الأحوال، ثمة من يعبر عن سخطه على حظه من وجهة نظره، فيندم على مجيئه إلى الحياة، في حين آخرون ينظرون إلى مسألة المجيء إلى الحياة بمنظار آخر بمعنى أنه جاء إلى الحياة كي يؤدي دوراً بمجرد وعيه وقدرة عقله على استيعاب واقع حياته، وأصبح قادراً بالتالي لمتابعة خطاه على ضوء هذه الرؤية.
وبطبيعة الحال أيضاً إن ثمة بوناً شاسعاً بين من يمنح نفسه فرصة لإثبات الفائدة من مجيئه إلى الحياة، وبين من يعتقد أنه جاء إلى الحياة على غرار القاعدة التي تقول بلزوم ما لا يلزم. ومن هنا تأتي أهمية دراسة السلوك البشري، حتى لا ينال أحد ما لا يستحق نيله، على حساب من يستحقه نيله بوصفه كياناً بشرياً لا مجرد رقم فائض في سجل البشرية حضوره أو ذهابه لا يقدم ولا يؤخر شيئاً في معادلة الحياة بل في معادلة حب الحياة والرغبة في أن يكون على سطح الأرض جديراً بصفة الكائن الذي يدرك أن له قيمة حقيقية بين الناس.