ثقافة وفن

كتابان يوثّقان دمشق وبلاد الشام بتفاصيلها

| سوسن صيداوي

كثر الحديث عن التي نهواها، وكثر من عمق حبنا لها، حلو الأسماء وجميل الألقاب التي نطلقها عليها، فلقد دُعيت مرة بـ«لؤلؤة محاطة بالزمرد الأخضر»، ووصفوها في مرة أخرى بـ«جنة الأرض»، هي أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان، وسميت أيضاً دمشق، على اسم بانيها دمشاق بن كنعان أو دامشقيوس. معلومات توثيقية تؤرخ تفاصيل كثيرة عن سوريتنا بتقاسيمها العمرانية، وما مرّ عليها من فتوحات بتواريخ شهدت عليها أحياء، بقصص لا تعد ولا تحصى داخل بيوتات، وثقت خصوصية تفاصيل عائلية في كتاب «دمشق-الشام» لمؤلفه د. لطفي فؤاد لطفي الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، إضافة إلى قصص وتوثيقات عن خانات بلاد الشام، التي تجسد الفن المعماري الذي ازدهر في المنطقة ويدل على روح الشعب ووجدانه، متجسداً بتراث طويل ملأه سكان الشام المحليون والطارئون عليه قبل الميلاد بآلاف السنين، تفاصيل أدق حول الهيكلية العمرانية وفنها يقصها لنا د. لطفي فؤاد لطفي في مؤلفه الثاني «خانات بلاد الشام» الصادر عن دار الفارابي. وللمزيد أكثر حول ما تضمنه كل من الكتابين نحيطكم ببعض النقاط.

دمشق-الشام
بداية يشير الباحث د. لطفي في مؤلفه «دمشق-الشام» إلى أهمية الموقع الجغرافي للشام، والمؤثر جداً في سكانه وتاريخه السياسي والحضاري. موضحاً أن هذه البلاد كانت منذ فجر التاريخ الموطن الثاني لطلائع شعوب شبه الجزيرة العربية-الآشورية والبابلية والكنعانية-التي شبّهت بخزان هائل يفيض بالسكان في حقب متعاقبة، مضيفاً إن هذه الشعوب كان لها وحدة مشتركة، وكانت تعيش في زمن ما قبل هجرتها أمة واحدة وفي مكان واحد هو الجزيرة العربية. متابعا دكتور لطفي في بحثه إنه قبل أن يُطلِق العرب اسم «الشام»على البلاد الممتدة من شمال الحجاز إلى جبال طوروس شمالاً، ومن بادية الشام والفرات شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، كانت تُعرف المنطقة باسم «سورية» وهو اسم يوناني في شكله. وكان اختلف الجغرافيون وكذلك اللغويون العرب، في سبب تسمية «سورية» على بلاد الشام، وأوردوا في ذلك تفسيرات مختلفة جاءت في كتبهم، وبأن اسم الشام ربما يرجح لأسباب عدة منها: وقوع هذه البلاد بالنسبة للحجاز على يسار الجزيرة العربية من ناحية الشمال، كما يذكر البعض الآخر أن اسم الشام قد يكون من «الشامات» وهي طوالع الحسن، نظرا لخصب أراضيه وجمال مظاهره.
ويضيف دكتور لطفي في مكان آخر من كتابه قائلاً:( إن «دمشق- الشام» هي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة، ونضارة بقعة، وكثرة فاكهة، وكثرة مياه، وسميت دمشق لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا، والشام اسم بلاد سورية الطبيعية، وأطلق على دمشق لأنها قاعدتها وأجمل مدنها وأكبرها وأفضلها. دمشق على ضفاف أنهارها يقيم شعب نشيط دائب على العمل، جَدّه أكثر من هزله، وشغله أكثر من تبطّله، وإيمانه أكثر من شكّه، يميل إلى التجارة، معتز بماضيه، فخور بتقاليده، مرهف الحس، لطيف المعشر، سريع التكيّف والموالفة، حبَته الطبيعة ذكاءً فطرياً، ميال إلى الأدب والفصاحة، مغرم بالألفاظ الرنانة والتراكيب الفخمة).
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة البحثية شاملة ومرفق معها صور لتوثق المعلومة حول الأحياء الدمشقية، منها: القنوات، الشاغور، الميدان، الشعلان، ساروجة، الصالحية، إضافة لما مر على المدينة من فتوحات وحضارات.

خانات بلاد الشام
تحت عنوان الكتاب «خانات بلاد الشام» تندرج دراسة شملت زيارة الخانات وتقديم بحث تفصيلي عنها من حيث الشكل المعماري والموقع والتي انتشرت في المدن أو على طرقات السفر، فأورد الكتاب في بحثه الحديث عن الخانات التي انتشرت في: دمشق، حلب، حمص، حماة، اللاذقية، الجولان، حوران، القدس، صيدا، بيروت، طرابلس، مع تحديد مواقعها وتحليل الخصائص والمواصفات المعمارية لها، وكذلك طرق إنشائها ومعرفة مواد البناء وأشكال البوابات والفراغات المعمارية؛ وهذه التفاصيل التي اهتم بها د. لطفي، لكون الخانات لعبت دوراً مهماً في تشكيل الفراغ العمراني للمدينة، لأنها أبنية عامة لها وظائف مختلفة، كما شملت الدراسة رصدا للمعلومات التي وردت في كتب الرحلات عن الخانات. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة البحثية تمت على أساس تجميع المعلومات بواسطة المصادر والمراجع العلمية التي تضمنت التعريف بالخانات وإعطاء لمحة تاريخية عن مراحل تطورها تاريخياً.

الخانات
يهدف هذا البحث بحسب دكتور لطفي إلى دراسة فئة من المباني عرفت باسم «الخانات» وظيفتها توفير المأوى المؤقت للناس وللبضائع وكذلك للدواب سواء على الطرق التجارية، أم ضمن المدن، مشيراً إلى أن خانات المدن نوعان: نوع بني في ضواحي المدينة وآخر ضمن المدينة، وتميز هذا النوع بالانتشار الواسع لهذه المباني، وبنموه المرتبط بتوسع التجارة وازدهارها.
أما عن بناء الخانات فلقد تحقق بعيد استقرار الإنسان ونمو مجتمعه الاقتصادي وحاجته لتبادل منتجاته مع المنتجات الأخرى الموجودة في مناطق مجاورة أو بعيدة، وقدرته على التنقل بوسائل تحتاج مثله إلى راحة بعد يوم كامل من السعر، لافتاً الباحث أن هناك العديد من المؤرخين الذين لا يغوصون في أبحاثهم إلى هذا المدى، فمنهم من يعيد بناء الخانات إلى قورش الأخميني، ومنهم من يعيد بناءها إلى الرومان، وقد انتشر تعبير خان عن هذه المنشآت في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، والدراسة شملت أيضاً في بحثها هندسة الخانات ومداخلها ونماذجها مع تنظيمها، إضافة إلى الكثير نتركها لكم لقراءتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن