قضايا وآراء

رشاوى ترامب للصهاينة

| د. يوسف جاد الحق

قد يصعب على المرء أن يصدق أن تصرفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقراراته، التي طالما وصفت بالطائشة، بالهوجاء، بالاستعلائية، بالاستهتار، بالعنصرية، تمثل رؤيته الشخصية، وتفرده باتخاذها وفق هواه ومزاجه ليس إلا، فأميركا ذات النظام «الديمقراطي» على علاته وفقدانه للمصداقية، لا تتيح لترامب أو غيره التصرف الشخصي المنفرد في سياسة تلك الدولة، إذ إن هنالك خصوماً متربصين، يتطلعون إلى مكاسب يجنونها على رأسها الوصول إلى مركز الحكم إذا ما أزيح القائم عليه ليحلوا مكانه. وهناك حسابات للمصالح الحزبية على صعيد السياسة والاقتصاد والصناعة، العسكرية والمدنية، والشركات الرأسمالية المتحكمة في معظم أوجه النشاط الاجتماعي والحياتي محلياً، وسعيها لأن يكون خارجياً أيضاً.
هذه الجهات تحاسب وتتسقط الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها هذا الرئيس، أو أي رئيس آخر، وقد حدث في حالات كثيرة مثل هذا، كإسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون وعزله فيما عرف يومئذ بفضيحة «ووترغيت»، كما حدث أن قتل الرئيس جون كندي بسبب موقف له من تسلح إسرائيل النووي من قبل فرنسا، وبقي سر مقتله مجهولاً حتى يومنا هذا. كما حدث للرئيس بيل كلنتون ومحاولة إسقاطه بسبب علاقة جنسية له مع اليهودية مونيكا ليفنسكي التي قيل إنها كانت مدسوسة عليه من «إيباك» وإسرائيل.
إذن المسألة ليست كما تبدو في ظاهرها من تصرفات ترامب وقراراته في شؤون ذات علاقة بالعالم، وليس بالشأن الأميركي وحده، كنقله للسفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقراره باعتبار القدس «عاصمة أبدية» لإسرائيل، وكأنه يملكها، ثم قراره الذي لا يقل سوءاً وخطراً عن سابقيه بمنحه الجولان العربي السوري إلى إسرائيل، تلبية لرغبة رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو واللوبي الصهيوني هناك، الأمر الذي وقفت في وجهه معظم دول العالم بمن فيهم حلفاء أميركا من أوروبيين وغيرهم، إذ يرى العالم كله أنه اعتداء صارخ، غير مسبوق، على دولة ذات سيادة على أراضيها بكل ما فيها، عضو في هيئة الأمم المتحدة.
هذه الرشاوى يقدمها السيد ترامب بسخاء ما دامت لا تكلفه غير الكلام، ويسعى إلى إرضاء الجهات التي بيدها أمر بقائه أو إبعاده عن منصبه، وبيدها إكسابه الفوز برئاسة ثانية في البيت الأبيض. وهو محاط، وراء الكواليس، بزمرة من تجار الحروب، هي أقرب إلى العصابات منها إلى رجال دولة. يكفي أن نذكر منها ديك تشيني النائب السابق للرئيس جورج بوش الصغير، ووزير دفاع جورج بوش الكبير، ودونالد رامسفيلد وبول وولفتز، ومنها الحاقد الكاره لسائر العرب والمسلمين، مستشار الأمن القومي العنصري البغيض شكلاً ومضموناً جون بولتون، ومنها وزير خارجيته مايك بومبيو، ولا ننسى دور مستشاره وصهره جاريد كوشنر عراب تسويق صفقة القرن.
لهذا لم يكن غريباً أن نرى كلاً من بولتون وبومبيو يتباريان في توجيه الاتهامات الفجة الباطلة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، على أنها «سبب عدم الاستقرار في المنطقة» وأنها «خطر على العالم كله…» وأنها وأنها، بل قد بلغ بهؤلاء الكذب والافتراء حد إلصاق تهمة الإرهاب بالحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني، الأمر غير المسبوق في الأعراف السياسية الدولية في العالم كله، ولكن هؤلاء قد عميت أبصارهم عن مصدر الإرهاب الدولي، إسرائيل عينها، وما تفعله يومياً بفلسطين وشعبها، تراه الدنيا بأسرها على الفضائيات، والعالم يعجب من ذلك فهو لا يرى إيران تسحق اليمن وتبيد شعبه وتدمر بلاده بمباركة أميركية، وإيران لا يقصف طيرانها هذا البلد أو ذاك جهاراً نهاراً، وإيران لا تحرك الأساطيل في أعالي البحار والقاذفات «بي52» في سماء دول بعيدة عنها عشرات آلاف الأميال، استعراضاً للقوة والجبروت. لكنها إحدى رشاواه للإيباك واليهودية العالمية.
عصابة الحكم في أميركا لا تخجل مما تفعل، وهي التي لم تقع حرب في الدنيا كلها، عقب الحرب العالمية الثانية، إلا وكانت لها يد فيها بطريقة أو بأخرى، بل إنها لا تخجل من أن العالم كله يعرف اليوم أنها تصنِّع جيوشاً من الإرهاب، مثل داعش والنصرة وغيرهما وتدفعها إلى القيام بأبشع صور القتل والإبادة تحت عناوين غريبة «كالفوضى الخلاقة» و«الاحتواء المزدوج» و«التدمير البنَّاء»!
كما أنها لا تخجل مما تعلن من اتهامات وافتراءات حول هذه الدولة أو تلك، والعالم الذي تخاطبه يعرف أنها تكذب وتلفق وفق غاياتها وأهدافها اللاإنسانية تجاه العالم كله، دولاً وشعوباً، باستثناء السائرين في ركابها الضالعين معها في إجرامها بطبيعة الحال، وهي تستخدم المال والسلاح وسائر وسائل القوة عندها لتحقيق أغراضها تلك، وما حكاية شركة بلاك ووتر التابعة لها في حربها على العراق وما صنعته في سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو وغيرها من فظائع عصية على الوصف، ببعيدة عن الذاكرة.
نقول هذا للعرب المخلصين لأمتهم، وهم معروفون بحلف المقاومة بأطرافه جميعاً، فهم يدركون هذا أكثر منا، بطبيعة الحال، أن يستبشروا بأن هذه الحال إلى زوال وبشائر انتهائها، بعد انكشافها هذا آتية دونما ريب.
ونقوله، من جهة ثانية، للمارقين من الأعراب الذين عميت أبصارهم عن رؤية الحقيقة، وظنوا أن أميركا حامية لهم، وأن إسرائيلهم هي الطريق إلى قلب أميركا، إنهم مخطئون في حق أنفسهم وبلادهم، لعلهم يعودون عن غيِّهم إلى رشدهم قبل فوات الأوان، وقبل أن يعم الطوفان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن