لا حاجة لكثير من الذكاء للتأكيد أن أي حرب مباشرة تشنها القوات الأميركية ضد أي دولة ستحمل الدمار والخراب على جوار تلك الدولة وليس عليها وحدها فقط، والأسباب واضحة وهي تكمن في توسيع دائرة المصالح الأميركية لإعادة إعمار أكبر المناطق، على حين لا تحقق القوات الأميركية الانتصار على الدولة الهدف. وفي التطورات المتسارعة في احتمالات شن حرب أميركية على إيران بدأت الإدارة الأميركية بتجنيد دول مجاورة لإيران في مشروع هذه الحرب وجميعها من الدول الخليجية الغنية القادرة على إنفاق عشرات المليارات بل المئات منها على تغطية تكاليف معدات وذخائر الحرب، وكذلك على تكاليف إعادة إعمار ما يمكن أن يلحق من خراب ودمار جراء اتساع رقعة الحرب إلى عدد من دول الخليج. وإذا كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المستثمر الأكبر في مشروع حرب كهذه برغم استبعاد وقوعها فإن الخاسر الأكبر منها لن يكون إيران بقدر ما سوف يكون كل دولة خليجية توافق على هذه الحرب وتبدي استعدادها لتحمل نتائجها!
وقد لاحظ الجميع أن الولايات المتحدة عملت في عام 2018 على تسخين أجواء الحرب في منطقة شبه الجزيرة الكورية، وهدد ترامب في بداية حملته بشن حرب مباشرة على كوريا الديمقراطية لكن الدولتين المجاورتين لكوريا الديمقراطية، كوريا الجنوبية واليابان، أدركتا أن حرباً أميركية ضد كوريا الديمقراطية من المحتم أن رقعتها ستتسع لتشمل هاتين الدولتين الحليفتين لواشنطن واللتين تنتشر فيهما قوات أميركية تشارك في الحرب على كوريا الديمقراطية، فكانتا أول من يرفض فكرة شن حرب أميركية على كوريا الديمقراطية لأنهما ستدفعان ثمناً باهظاً قد يصل إلى خطر نووي دفعت ثمنه اليابان في الحرب العالمية الثانية حين قصفتها واشنطن بقنبلتين نوويتين، فكوريا الديمقراطية صرح رئيسها كيم جونغ أون علناً أنه لا يستبعد استخدام سلاحه النووي للدفاع عن بلده. ولذلك نجحت الضغوط اليابانية والكورية الجنوبية على واشنطن بالتراجع عن شن الحرب واللجوء إلى الدبلوماسية حتى لو طال زمن نجاحها ما دام أن ذلك سيتيح إبعاد القتل والدمار عن اليابان وكوريا الجنوبية. ولا شك أن اليابان وكوريا الجنوبية تدركان أن كوريا الديمقراطية ستحافظ على الأمر الواقع الذي حقق مصلحة واضحة لكل منهما بل لكوريا الديمقراطية ولم يلحق الضرر إلا بالمصلحة الأميركية فقط. ولذلك يرى الكاتب السياسي الأميركي بول بيلار من مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون الأميركية أن وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو يستخدم أقصى الضغوط على دول منطقة الخليج في حملة مشروع الحرب الأميركية على إيران رغم أنه يعرف جيداً أن روسيا على المستوى الدولي والعراق وسورية وحلفاء سورية سيقفون إلى جانب إيران. وهذا ما أشار إليه الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل أيام في قمة دول شانغهاي حين أعلن أمام الصين وروسيا والدول الأخرى المشاركة بأن الوضع في الشرق الأوسط أصبح يتطلب علاقات أوثق وأمتن بين روسيا وإيران، فروسيا وإيران تشكلان طليعة القوة التي تشتركان بها في محاربة الإرهاب في سورية وجوارها، والكل يسخر من الاتهامات التي يعلنها بومبيو ضد إيران في موضوع الناقلتين اليابانية والنرويجية في خليج عمان، لأنه لا يعقل أن يكون رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ضيفاً على القيادة الإيرانية وتستهدف له إيران ناقلة نفط يابانية في الوقت الذي ترتبط إيران بعقود كبيرة في تصدير النفط لليابان!
ولذلك يعتقد بيلار أنه إذا صدق ترامب في تصريحاته حول عدم وجود نية له بشن الحرب وبأنه يفضل الدبلوماسية في خلافه مع إيران على الموضوع النووي فإن ذلك سيتطلب منه تنازلات في مسألة العقوبات فلا يعقل أيضاً أن يفرض كل شروطه على إيران، لكن بيلار يشير على غرار محللين أميركيين آخرين إلى أن أي موقف تتخذه دول الخليج وفي مقدمها السعودية باتجاه تفضيل الدبلوماسية، سيفرض على الإدارة الأميركية إعادة النظر في إجراءات تسخين أجواء الحرب الأميركية على إيران، ولا شك أن نسخة أخرى من حرب أميركية على إيران في الخليج لن تشبه أبداً ما جرى في حرب الخليج الأخيرة، لأن إيران دولة إقليمية كبرى ويقف إلى جانبها دولتان عظمييان هما روسيا والصين وفي جوارها العراق الذي لن يسمح باستخدام أراضيه ضد دولة جارة لمصلحة الولايات المتحدة، فهل تتخذ دول الخليج الأخرى المقابلة لإيران والعراق قرارها المستقل فترفض مشروع هذه الحرب على غرار ما فعلته اليابان وكوريا الجنوبية؟