إن الخلاف في الرأي من بهارات الحياة الزوجية التي تجمع بين شخصين لكل منهما تفكيره ونظرته إلى الأمور. لكن ماذا لو تطور الخلاف بين هذين الزوجين إلى حد الشجار؟ عندما تقوم القيامة بينهما، ليس في منزلهما الخاص، إنما في مكان عام وعلى مرأى ومسمع أغراب لهم وجهات نظر مختلفة، غير مبالية مرة ومستنكرة مرات. كيف يكون المشهد من وجهة نظر من يشاهد؟ وما ردة فعله؟
كامل (مهندس ميكانيكي، متزوج) يصف مشهداً لا يزال حاضراً في ذهنه بكامل أحداثه وتفاصيله وكأنه يراه، يقول كامل: (على بعد أمتار من زحمة خانقة كان الرجل يشيح بنظره بعيداً هارباً به من إحراج يتسبب به صوت زوجته المرتفع الذي يخرق الجموع إلى حد الإزعاج، لا، بل الإهانة، كان يقول لها بصوت يحاول أن يكون منخفضاً: «اهدئي فنحن في مكان عام، عيب، أن الجميع ينظر إلينا» إلا أنها تدفعه بعيداً عنها وتصرخ بوجهه «لا تسكتني لقد سئمتك وأريد إن أفضحك أمام الناس ما عدت أبالي» ويتابع كامل قائلا: «أخذ الرجل ينظر إلى الجموع من حوله، يرى نظراتهم الشاخصة فيه وفي زوجته التي لا يزال صراخها مستمرا، يرتبك ثم يفقد أعصابه ويصرخ بدوره في وجهها»: كفى ما الجريمة التي ارتكبتها؟ كيف تبررين تصرفك هذا؟ أهو بسبب استعجالك بالخروج من المتجر الذي قضينا فيه أكثر من ساعة وبالتحديد في قسم البياضات المنزلية؟ أكنت تبقين معي في قسم الالكترونيات لو أحببت ذلك؟ هل كنت تبقين بجانبي ولو عشرة دقائق من وقتك؟ كفى! كفى! احترمي نفسك وكفي عن الصراخ، انظري كيف ينظر الناس إلينا. نهاية المشهد كما يصفها كامل: «تجلت في أن الزوج سارع بالمضي بعيداً عنها على الرغم من صوتها المرتفع والحاد كان لا يزال يلاحقه بقسوة وإذلال».
«كانت تمد يدها صوبه ولا تناله، وتصرخ عاليا بينما يحاول هو أن يهدئها وقد ساءه أن يرى الموجودين في المكان ينظرون إليه باستغراب».
هذا المشهد الدرامي يتذكره بشير (مندوب مبيعات) من شجار حصل أمامه بين زوج وزوجة في أحد مراكز التسوق، يقول: كنت أسمعه بوضوح وهو يقول لها: «عيب هناك من ينظر إلينا» لكنها لم تكن ترد عليه ولا تستكين بل تزيد من حدة انفعالها وهي تنهره كطفل خرج عن سيطرتها. إزاء هذا المشهد فكر بشير أن يتدخل لكنه خاف من أن تتحول السيدة لتصب جام غضبها عليه، فقرر عدم التدخل، ويختم «سرعان ما رأيت رجلاً من الأمن يتدخل ويتحدث مع الرجل، على حين خرجت الزوجة مع أولادها الثلاثة تاركة مكان الشجار وسط ذهول الحاضرين وأنا واحد منهم».
بدورها، لا تنسى سامية (مدرسة لغة عربية) أنها كانت شاهدة على شجارين اثنين صادفتهما في اليوم عينه، تخبر: (الشجار الأول كان في الشارع العام أمام بيتي، حيث رأيت امرأة تنزل من سيارة زوجها، وتبدأ بالصراخ كالمجنونة في الطريق، بينما زوجها يتبعها بالسيارة، محاولا إقناعها بركوب السيارة من دون جدوى، وأعتقد أن الحي كله شهد المشاجرة، تبتسم سامية وهي تتابع حديثها قائلة: «أيضاً هناك مشادة حادة وقعت أمامي في السوبر ماركت بين زوجين شابين، كانا يتبضعان بعض السلع الاستهلاكية وكنت أرى الزوجة تضع في عربة التسوق بعض السلع، ومن ثم يقوم زوجها بردها إلى مكانها، فعل ذلك أكثر من مرة إلى أن بدأت هي تصرخ في وجهه ويبادلها هو بصراخ أعلى، ثم تطور الموضوع إلى رمي بعض البضائع أرضا وإحداث فوضى عارمة تطلبت تدخل الأمن الموجود في المكان لإخراجهما» تسكت سامية لحظة ثم تقول: «جرى الأمر بسرعة وكأنه فيلم قصير رديء الإخراج».
نورا (ربة منزل، متزوجة من 4 سنوات) هي أيضاً شهدت خلافا حادا بين زوجين، تقول وهي تروي تفاصيل الشجار: «كان جاري وجارتي مسافرين، ورأينا الزوج يسبق زوجته إلى السيارة لينتظرها ولكنها تأخرت عليه»، وتضيف: «في الواقع، تأخيرها لم يطل لأكثر من 10 دقائق، إلا أن الزوج غادر السيارة وتركها فلم تجده حين نزلت من البيت، اتصلت به على هاتفه الجوال، ونحن كنا إلى جانبها، فرد على مكالمتها ولكم أن تقدروا ماذا سمعنا!». تتنهد نورا وتستسلم للضحك وهي تتابع قصتها قائلة: «أقنعته الجارة بالعودة لأخذها معه، فعاد ورأينا الجنون يتطاير من عينيه، ولا ندري ماذا دار بينهما عقب ذلك، لكننا أشفقنا على تلك المسكينة يومها» لا تعرف نورا السبب الذي جعل جارها يتصرف على هذا النحو، ولكنها ترجح أنه «ربما كان ذلك نتيجة التوتر الذي يتصاعد بسبب السفر، فأنا أعرف كم يحب زوجته ويحترمها».
لا يزال مشهد عراك زوجين في الشارع حيا في ذهن عمر (محاسب)، يتذكره ويسرد تفاصيله، ويقول بنبرة يشوبها الاستنكار: «لم يكن الأمر مقبولا على الإطلاق، كان الزوجان يصرخان بحدة ويكيلان الشتائم أحدهما للآخر، لم أتبين سبب الشجار ولكنني شعرت بأنها نهاية العالم» ويتابع عمر مازحا: «في الحقيقة، إن هذا المشهد يجعلني أفكر ألف مرة قبل أن أقرر الزواج» ويعقب ملاحظا: «لقد عبر مشهد الزوجين المتشاجرين عن عدم الاحترام والتفاهم بينهما، ذلك أن ما فعلاه بنفسيهما كان مذلا وبشعا». ولأن البيت هو حافظ الأسرار بالنسبة إلى عمر، لا يتردد عمر بتوجيه النصيحة إلى كل زوجين داعيا إلى (أن يحترم أحدهما الآخر) ومؤكدا أنه (لا يحق لهما إزعاج الناس بخلافاتهما ومشاكلهما الخاصة التي يتعين عليهما أن يبقيا عليها داخل البيت وراء الأبواب المغلقة).
ما إن طرحت الموضوع على سارة (ربة منزل) حتى ابتسمت ابتسامة عريضة وعلقت قائلة: «نعم، شاهدت شجارا عنيفا بين زوجين كاد يتطور إلى عراك بالأيدي، وبما أنني كنت قريبة منهما، فقد فهمت أن السبب والدة الزوج من جهة ووالدة الزوجة من جهة أخرى» تتابع سارة الابتسام وكذلك الكلام لافتة إلى أنه «لا يمكن وصف الشجار وحدته، ولا كيف تجمع الناس ليشاهدوا العراك، كان الأمر مزعجا ومذلا، لا بل همجياً ومستفزاً للأعصاب» وتعقب: «لم أتدخل أنا ولا أحد من الموجودين في المكان، خوفا من تأجيج غضب الزوجين، غير أنني قرأت في عيون بعض الحاضرين الاستنكار، ومشاعر الامتعاض».
من ناحيتها، تشير امتثال (ربة منزل أيضا) إلى (أن حصول شجار بين زوجين في الأماكن العامة بات من الأمور العادية) وتقول: «صحيح أنني لم أشهد عراكا حادا بين زوجين، إنما أصادف أحياناً زوجين يتشاجران بسبب أولادهما، وهو أمر لا أستسيغه ولاسيما إذا حصل في مكان عام وأمام الناس». (هناك بيت يجمع الزوجين ومن ثم يجب أن يحلا فيه جميع مشاكلهما لا أمام الناس). وتتابع امتثال تعليقها وتضيف: «قد لا يرحب الزوجان المتشاجران بتدخل شخص غريب، لذا، أرى أن من الحكمة عدم التدخل ولو اشتدت المعركة بينهما». وتختم: «حين أشاهد هذه المواقف علنا آخذ منها العبر وأقرر بيني وبين نفسي أنني لن افعل مع زوجي ما يفعلانه، وسأبقي على الخلافات داخل جدران البيت».
من وجهة نظر طبيبة النفس الدكتورة نجاح الصايغ إن الأزواج الذين يفقدون أعصابهم ويتشاجرون في الأماكن العامة وأمام الناس، يكونون غير مرتاحين نفسيا من الداخل، ولو كانوا كذلك لما فقدوا أعصابهم غلى هذا النحو مهما كانت الأسباب. وتشير د. الصايغ إلى أنه يستحيل أن تقع مشاجرة بين زوجين بهذا الشكل الحاد على مرأى من الناس حول أمر تافه ما داما متفقين عاطفيا وفكريا، وإلا دل الشجار على تراكمات بين الشريكين تفاقمت وبلغت حدا يتجاوز احتمال خطأ بسيط يصدر من هنا أو هناك وتعلق الدكتورة نجاح على مشهد المشاجرة بين الزوجين: «أنه مشهد غير حضاري بالتأكيد وينم عن عدم تقدير للنفس ولا للآخرين، لأنه ما من إنسان يحترم نفسه إلا ويستطيع أن يمسك أعصابه في أثناء وجوده في مكان عام، لا بل هو قادر على أن يفعل ذلك في البيت أيضا».
ومن دون أن تدافع الصايغ عن أي من الشريكين في موضوع المشاجرة العلنية تشير إلى «أن السبب في انفلات أعصاب أحد الزوجين، أو كليهما، في مكان عام، قد يعود إلى التربية والمحيط التي جاءا منها، وهنا بالطبع لا يمكن التعميم». وانطلاقا مما ذكرته، تعلق الدكتورة بالقول: «لا أعتقد أن الزوجين سيكونان قادرين على العيش معا بعد هذا الشجار، فربما يكون الأمر وصل بهما إلى نقطة اللاعودة، هذا إذا كان الاثنان مسيئين الواحد في حق الآخر، على حين لو كان أحدهما طيب القلب ومسامحاً فهو بالتأكيد سوف يغفر وبضحي ويمرر الأمر لكي يحفظ خط العودة إلى الشريك ولا يخسره». وتختم: «قد يحتاج الزوجان في مرات كثيرة إلى مشورة من مصلح أسري ليحسنا التعامل في مسألة الشجارات العنيفة في الأماكن العامة، أو أمام الغرباء».