ذكرني تسلل وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان كلص في الـ13 من حزيران الجاري إلى الداخل السوري، بعد أن شارك في مراسم تنصيب نيجرفان بارزاني كرئيس لإقليم كردستان في الـ10 من حزيران الحالي، وقيامه بعقد لقاءات مع عدد من شيوخ العشائر في محافظة دير الزور السورية في مناطق سيطرة ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، برفقة مسؤولين أميركيين، بسيرته وأدائه الفاشل في العراق.
أعلنت السعودية في الـ15 من كانون الأول 2015 إعادة فتح سفارتها في بغداد، بعد 25 عاماً من إغلاقها. وفي الـ17 من الشهر ذاته وصل السبهان إلى بغداد كأول سفير للسعودية في العراق، وقدم أوراق اعتماده في الـ14 من كانون الثاني 2016، معلناً انتهاء مرحلة القطيعة بين البلدين، بفتح صفحة جديدة مبنية على المصالح المشتركة للدولتين، معتبراً أن العراق يمثل العمق الإستراتيجي للسعودية.
العلاقات السعودية العراقية كانت آنذاك سيئة جداً، فالسعودية مع قطر والإمارات كانوا يدفعون بشكل علني ودون مواربة باتجاه عدم الاستقرار في العراق، محرضين أهل السنًة على عدم القبول بالعملية السياسية بهدف إسقاطها من خلال زرع الفتن الطائفية، دافعين باتجاه إقامة إقليم سنّي يضم إلى جانب محافظة صلاح الدين، محافظتي نينوى والأنبار، ليكون حاجزاً يحول بين إيران من جهة وسورية وحزب اللـه في لبنان من جهة أخرى، داعمين مادياً ومعنوياً تنظيم القاعدة في ذلك الوقت لقتل أبناء الشعب العراقي، إذ كانوا يخشون من أن يعود العراق إلى وضعه الطبيعي في المنطقة ليكون قطباً مؤثراً، فعملوا بكل قوتهم على ألا يستعيد العراق وضعه سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. وقد نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية في الـ11 من آب 2013، مجموعة برقيات سرية بعثها السفير الأميركي السابق في بغداد كريستوفر هيل، إلى وزارة الخارجية الأميركية، يؤكد فيها أن السعودية تمول هجمات القاعدة في العراق، وأنها ترعى التحريض الطائفي بالسماح لشيوخها بإصدار فتاوى تحريضية على قتل اتباع الطوائف الأخرى، وبأن المسؤولين العراقيين يرون أن العلاقات مع السعودية من أكثر مشكلاتهم تعقيداً، وأنهم يؤكدون سماح القيادة السعودية بصورة دورية لرجال الدين السعوديين بصب غضبهم الطائفي على طائفة معينة والتحريض ضدها. وأن السعوديين ينظرون إلى العراق، كحاجز يجب أن يسيطر عليه السنّة ضد الانتشار الشيعي والنفوذ السياسي الإيراني.
لم تمض عشرة أيام على تسليم السفير السعودي السبهان أوراق اعتماده الدبلوماسية، حتى عاد التوتر مجدداً إلى العلاقات السعودية العراقية، إثر تصريحه لفضائية «السومرية» في الـ23 من كانون الثاني 2016، قائلاً: إن «رفض الأكراد والأنبار دخول الحشد الشعبي إلى مناطقهم يُبين عدم مقبولية الحشد الشعبي من المجتمع العراقي»، حيث أثار تصريحه هذا ردود فعل رسمية وشعبية شاجبة، وأدى إلى قيام الخارجية العراقية باستدعاء السبهان وإبلاغه «احتجاجها الرسمي بخصوص تصريحاته الإعلامية التي مثلت تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي، وخروجاً عن لياقات التمثيل الدبلوماسي، والحديث بمعلومات غير صحيحة».
وخلال أسبوع واحد أصدرت الخارجية العراقية بيانين، الأول، في الـ11 من حزيران 2016، طلبت فيه «توضيحاً من الحكومة السعودية لما ذكره المتحدث باسم وزارة داخليتها في تصريحاته الصحفية بخصوص وجود حملات تبرعات مالية داخل المملكة لصالح تنظيم داعش الإرهابي سببها تعاطف بعض الأشخاص مع داعش»، ورفضها ما «تضمنته تصريحات المتحدث السعودي من تجاوز غير مسموح به بحق الحشد الشعبي». والثاني في الـ17 من الشهر ذاته، أشارت فيه إلى أنه «سبق أن قامت باستدعاء سفير المملكة العربية السعودية الشقيقة لدى بغداد ثامر السبهان وأبلغته بأهمية أن يكون السفير خاضعاً للأعراف والمواثيق الدولية الخاصة بتعامل السفراء مع وسائل الإعلام»، وأن «الوزارة لن تسمح لأي سفير أن يوظف مهامه الدبلوماسية لتأجيج خطاب الطائفية في البلد بنقله لخصومة بلاده مع بلدان أخرى من خلال موقعه الدبلوماسي».
بعد تصاعد تصريحات السبهان المستفزة التي تزامنت مع العمليات العسكرية لتحرير مدينة الفلوجة من المجموعات الإرهابية، متهماً القوات العراقية المحررة للمدينة بقيامها بأعمال تطهير طائفي، التي عكست مدى القلق والخشية السعودية من نتائج نجاح عملية تحرير الفلوجة، إلى درجة دفعت إياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية المعروف بقربه وعلاقاته الممتازة مع الحكومات الخليجية، للقول في مقابلة مع فضائية «السومرية» في الـ18 من حزيران 2016: إن «تصريحات السبهان تزعج طبعاً، وحاولت الاتصال به مرتين وثلاث مرات، ولم أتمكن من التواصل معه»، موضحاً «لا أقبل أي تصريحات من أي كان، واعترضت على اعتبار الفلوجة بأنها حرب طائفية في الإعلام»، مضيفاً «لو كنت رئيساً للوزراء، لطلبت استبداله بسفير آخر».
لم يتوقف السفير السعودي في بغداد السبهان عن التصريحات الخارجة عن اللياقات الدبلوماسية المعمول بها بين الدول، إلى الحد الذي نقلت عنه الصحف السعودية والخليجية أن هناك مخططات دبرتها إيران لاغتياله، متحدثة عن قيام السلطات الأمنية العراقية باعتقال شخص مكلف بعملية اغتياله، متعاون «مع ميليشيا كتائب خراسان مقابل مبلغ من المال»، وأن السلطات الأمنية العراقية لم تتمكن «من الوصول إلى كامل المجموعة المنفذة التابعة مباشرة للكتائب، التي تتكون من ثمانية أفراد» حسبما روجت إليه تلك الصحف.
وزارة الخارجية العراقية، وعلى لسان المتحدث باسمها أحمد جمال، قال في الـ28 من آب 2016: إن «السفير السعودي في بغداد صرّح لوسائل إعلام قبل أيام بتعرضه لما سماها محاولة اغتيال أو تصفية من ميليشيات مرتبطة بدولة مجاورة للعراق، ونحن استغربنا هذا الموضوع، لأنه لم يبلغنا كخارجية أو كحكومة بهذا المخطط»، معتبرةً تصريحاته في هذا الشأن «إهانة للدولة العراقية في حماية البعثات الدبلوماسية». ومن ثم طالبت الخارجية العراقية من نظيرتها السعودية سحب سفيرها لدى بغداد السبهان.
وفي رد طفولي، نقلت صحيفة «الوطن» السعودية عن السفير السبهان في الـ28 من آب 2016 قوله: إن «العراق رئة العرب، ولو تم استبدالي فإن السعوديين كلهم ثامر السبهان».
ثامر السبهان السفير الفاشل والسياسي الجاهل والمنافق قضى ثمانية أشهر في العراق، جاراً آل سعود من إخفاق إلى آخر، فبدلاً من أن يحسن علاقات بلده مع العراق، زادها توتراً، كافأه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بجعله وزير دولة لشؤون الخليج. وصفه إبراهيم الصميدعي وهو سياسي سنّي وضابط مخابرات مهم في عهد الرئيس السابق صدام حسين في حديث له ببرنامج «فوق الخط الأحمر» عن الدور السعودي في العراق، بثته فضائية «سامراء» في الـ20 من تشرين الثاني 2017، والتسجيل موجود حتى اللحظة على «يوتيوب»: «أعتقد بصراحة أن واحدة من أكبر مشاكل محمد بن سلمان مشكلتان ثامر السبهان باعتباره تافه…».
إن الترابط في الأحداث بين العراق وسورية لا يمكن تجاهله، فقد سبق للملك السعودي عبد اللـه بن عبد العزيز آل سعود أن دعا في أيلول 2013 ألف شيخ عشيرة من مناطق وسط وجنوب العراق للاجتماع عنده في الرياض، الأمر الذي رفضته هذه العشائر في بيان لها آنذاك، مؤكدة أن «العشائر العراقية ليست للبيع والشراء مهما كانت الإغراءات»، وأن «المال السياسي إن كان من السعودية أو غيرها لن يستطيع شراء موقف العشائر العراقية التي أثبتت وعبر التاريخ انتماءها الوطني الأصيل وعدم تفريطها بهذا الانتماء»، والعشائر السورية التي لها امتدادات في العراق هي كذلك، والعبرة في الأصالة.