يُقال إن الحياةَ مدرسة كبيرة نتعلم مِنها بالمجانِ تارةً عبرَ الاتعاظِ من دروسِ الآخرين، وتارةً بأن ندفعَ نحنُ الثمنَ غالياً عندها نصبح آخرين.
قبلَ أسبوعين انتشر خبر قيامِ إحدى بائعات الهوى باتهامِ لاعب نادي باريس سان جيرمان الفرنسي البرازيلي نيمار بقضيةِ اغتصاب. حتى اليوم لا تزال هذه القضية عنوان الصحافة الفرنسية، فنيمار الذي كانَ حديث الساعة قبل عامَين عندما انتقل من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جيرمان المملوك لمشيخة قطر بصفقةٍ هي الأغلى بتاريخِ كرة القدم، والذي أُضيئت لهُ أنوار برج إيفل ترحيباً بات اليوم حديث الساعة في الفضائِح وانخفاض المستوى.
قد يبدو الأمر ضريبةَ الشهرة لكن هناك ضرائبَ ثانية يدفعها الإنسان في هذه الحياة ولعل خيرَ مثالٍ عليها ضريبة الخضوعِ للمالِ القذر.
قبل أشهر تم تسريب كلامٍ عن نية اللاعب العودة إلى برشلونة وطلبَ لأجل ذلك وساطةَ صديقه في ناديهِ السابق الأرجنتيني «ليونيل ميسي»، من هنا قد نفهم لماذا خرجت قضية الاتهام بالاغتصاب إلى العلن بهذه السرعة، فهي أشبه بالإنذار للاعب إن أرادَ أن يتمادى في موضوع خروجهِ باتجاهِ ناديهِ السابق، ولعل فرضيةَ أن يكون هناك من أوقعَ اللاعب في الفخ هي الراجحة وتستند إلى عدةِ أدلة:
أولها صمت النادي عن الوقوف مع اللاعب في هذه المحنة، ثانيها قيام الفتاة بتصويرِ الحادثة داخلَ غرفةِ الفندق أي إنها كانت تريد مسبقاً الحصولَ على دليلٍ ما، علماً أن ما قامت به أساساً ليس قانونياً، ثالثها اختراعها للشجارِ من دون سببٍ مع اللاعب كما بدا واضحاً في الفيديو الذي تم تسريبه، هذه الثوابت دفعت أكثر من شركةِ محاماة لتركِ قضية الدفاع عن الفتاة لأنهم وجدوا أشياء لا يمكن فهمها في سياقِ القضية، علماً أنه وفي قضايا مماثلة هناك من تبرعَ من شركات المحاماة للدفاع عن الضحايا المفترضة بالمجان.
إن هذه القضية تبدو مقياساً يمكن القياس عليه عندما تدخل الموهبة في متاهاتِ المال القذر، فكم من نيمارٍ «رياضي أو غير رياضي» دخلوا متاهاتٍ كهذه ولم يستطيعوا معرفةَ طريق العودة. أياً كانت موهبتك وأياً كان الفكر الذي تمتلكه بتوجهاتك السياسية أو الاجتماعية فعندما تحولها موهبتك لسلعةٍ تجاريةٍ لمن يستثمرها بالمال القذر خارجَ السياق الطبيعي لاحتواء الموهبة، فعليك ألا تفاجأ بما سيجري معك، بل عليكَ أن تكون جاهزاً لفرضيةِ أن كل مالٍ قذر لديهِ منافس لا يقل عنه قذارةً، ليأتي اليوم الذي ستضيع فيه بينَ صراعات المال القذر، فما يجري مع رئيس الاتحاد الأوروبي السابق وأسطورة كرة القدم الفرنسية ميشيل بلاتيني الذي يُعتبر مع الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي عرابي التوغل القطري في كرة القدم الأوروبية، خير دليلٍ أنك لن تستطيع أن تحمي نفسك من صراع المال القذر مهما كان اسمك، لتبدو كمن يُلاعب خنزيراً في حظيرتهِ الموحلة مهما توهَّمتَ الانتصار فإنك ستتمرغ بالوحل.
كثُر من حيث لا يدرون حولوا مواهبهم إلى سلعةٍ باتوا فيها غيرَ قادرينَ على الانسحاب أو التراجع، حوَّلهم المال القذر إلى تجار أوطانٍ أو تجار شعوبٍ وأزمات، ربما بعضهم أرادَ في وقتٍ ما العودةَ إلى رشدهِ قبل فوات الأوان لكن وبحسبةٍ بسيطة إذا كان المال القذر الذي يمتلكه أولئك القادمون من خارج التاريخ تعامل مع نيمار بهذه الطريقة، فما عساه يفعل بمرتزقةِ بيع المواقف على الشاشات للإساءة إلى أوطانهم، أو من امتطاهم ليحملوا أسفارهُ المزورة في الديمقراطيةِ وحقوق الإنسان؟
أياً كانت الموهبة التي تمتلكها وأياً كانت ثقتك بنفسك، تذكر دائماً أن للمال القذر وجوهاً كثيرة، أوقحها وأحطها ذاك الوجه الذي يحوِّل أفكارَك خنجراً في خاصرةِ وطنك، أياً كانت المساوئ التي تعتري هذا الوطن فلا تجعل تناوله مادةً للتجارة.
تُرى ماذا لو نطقتَ بائعات الهوى يوماً بما يخبئنهُ لكم من مفاجآتِ المال القذر يا تجار الأوطان؟