ثقافة وفن

السماحة والحب

| إسماعيل مروة

أن تكون محباً يعني أن تكون سمحاً وكريماً ومتسامحاً، ومتغاضياً عن هفوات يمرّ بها كل امرئ، ويعني ألا تبحث عن سبب أو أن تختلق سبباً يدعو إلى انتفاء الحب الذي هو أنت، والذي لن تكون دونه، ولا يمكن لحياتك أن تكون سوّية إن تنازلت عنه كرمى لحدس أو غرور أو اعتداد أو وهم.
وأن تكون سمحاً، فهذا يعني أن تبقى رافلاً بثوب الحب والسعادة مع الآخر، ولا تنتظر أمراً إلهياً أو مكافأة لتحب الرحم الذي أنبتك، أو الجسد الذي ذاب وهو يحملك ويحمل همك مذ كنت جنيناً.. ويعني ألا تنتظر من الآخر أن يتلاشى لتكون أنت، فإن تلاشى ماذا ستكون أنت؟ ومن سنحب أنت؟
لا مفرّ لمن يحب بأن يكون سمحاً ومنعتقاً من كل شيء.
فالأيدي تمتد، والأجساد تتطاول إلى أعلى مكان لتصل إلى الانعتاق في رقص السماح، وتسمو الأوتار وهي تعزف للشام تراقصها على نغمة رقصة ستي لتحوطها الأيدي، وتمرر الأصابع على كل فاصلة من الجسد الدمشقي الممتد من بردى إلى الأعوج، من حنانيا إلى الشيخ الأكبر.. وتسرح الروح بعيداً مع انسكاب عسل وورد من ينابيع الشام المانحة لكل ما هو سامٍ في حياتها وفي غدها.
وترشف سلافتها من قعر فنجان هوى شآمي، والحيرة تغلبها، وهو يمسح التعب عن مقلتيها ليخبرها بأنه ما مرّ بها جحفل ولا غازٍ ولا معتدٍ، وهي تغمره بدمعتها وتقول له: هل عرفت في المدائن سواي؟
لدهشتها ينحني ويهمس: لا سماح بغير أرضك.. ولا غيث من سماء أخرى
ويبقى العابد لائذاً ولاجئاً لصدر أم
قد يقتله الظمأ لكنها تجدد له عطرها فيحيا بها
قد يكون بلا مأوى، فتعطيه سكناً في مغاورها
الحب دواء.. ولا يكون لغير الأسوياء!
كيف تهيأ لنا أن نحب ونتغزل ونعاهد.. وفي اليوم الآخر نتحول إلى كارهين، شاتمين؟
أي قلب أو فكر يحمل ذاك الذي يخرج من رحم أمه ليتهمها؟
أي رأي يحمله ذاك الذي يقتل أباً أنجبه، أو أخاً شاركه الرحم؟
مهما تطاول الزمن ستظهر الحقائق
الحب فطرة والتظاهر به عادة
وشتان ما بين فطرة وعادة
الحب سخاء بالنفس لا المال
تقدم من أرضها والثم ما تبقى وقد تعطر بالدم
امسح الرماد عن أرضها لتستخرج الرمم التي افتدتك
تسرب مع الدم الذي أهرق لتسبق جلجامش في رحلة البحث عن الخلود..
كن سمحاً ومتسامحاً لتكون أنت
كن سمحاً لتكون قادراً على العيش أكثر من حياة فيمن تحب وفيما تحب.
هناك عند قبة المجهول اسم المعلوم رسالة
يسجد الذي عشق التراب
وينسرب في الحنايا.. في المغاور والهضاب
ليكون مطراً
مطراً يحيا في الجوف والنبع
مطراً يحيي وهو يعطر الجنبات
مطراً يحيي وهو يغيب في الثنايا
وحين ينبت الربيع في الشام تتغير الدنيا
ينشد العفيف التلمساني صوفياته
ويغني الشاب الظريف خمرياته
وتتحول كل ذرة تراب إلى نزار قباني
وتردد جنبات الشام أندى كلمات الغزل
كن سمحاً لتحيا المشهد
كن محباً لتصل يداك المدى
وحدها صفة السماحة لا تلتصق إلا بالمحب، المحب المنعتق من ذاته ليفرش عباءته على كل من يعرف، ومن لا يعرف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن