انتشرت ظاهرة تداول المنجز الشعري العربي في كتب محددة يحمل كل منها عنوانا خاصا به، وسرعان ما راحت الدراسات النقدية تعتني بكل عنوان: توصيفا وتحليلا وتقويما، مكتشفة فيه عتبات نصية مفيدة في تلقي نصوص الشعر وفهمها ودراستها.
ترافقت تلك الظاهرة الوليدة، بظاهرة الاهتمام بغلاف كل كتاب شعري جديد، يعد للنشر، مانحة طريقة تخطيط عنوانه وتلوينه، وتزويده بلوحة من لوحات الفنون التشكيلية، رسمها فنانها رسما خاصا للغلاف بعد الاطلاع السريع أو المتأني على مضمون مخطوط الكتاب، أو اختارها من لوحاته السابقة اختيارا مؤسسا على نتائج ذلك الاطلاع، مانحا مؤلف الكتاب أحياناً فرصة المشاركة والتشاور في الاختيار، أو فرصة التفرد فيه.
دار حوار بين عدد من الأصدقاء المهتمين بالآداب والفنون قبل نحو خمسَ عشْرَةَ سنة حول جدارة مقهى «قصر البلور» في باب توما في حمل تسمية «مقهى المثقفين»، ولِمَ لا يحملها، وقد حازها يوما مقهى «الهافانا» في الضمير الثقافي السوري… انتهى الحوار العابر، بدعوة حارة لا يمكن رفضها من المخرج السينمائي ريمون بطرس للعشاء في «قصر البلور» مساء الغد…
تشعبت سبل الحوار والمناقشات على المائدة غير المستديرة، فاهتبلت الفرصة وقرأت قصيدة من مخطوط مجموعة شعرية «على قد الحال» أعددتها للنشر بعنوان «أقرب من الأصدقاء أبعد من الخصوم»، موحيا للأستاذ ريمون أن يقترح على الفنان التشكيلي إدوار شهدا (أحد التشكيليين الثلاثة الموجودين في السهرة) السماح لي باختيار لوحة من لوحاته لغلاف المجموعة العتيدة، لكنه رفض، مقدما اقتراحا بديلا من السابق، يمكّنه من قراءة قصائد المخطوط قراءة متأنية، يختار بعدها لوحة مناسبة لمقتضى الحال، ولم يكن أمامي من فرصة لغير الموافقة، مع سينمائي وتشكيلي تربطني بهما عرى الانتماء إلى حي حريق من أحياء حماة القديمة، وإلى جيل شدّتْ حبال أواصره أيام الدراسة الإعدادية والثانوية في مطلع السبعينيات الماضية…
أخذت اللوحة طريقها إلى الغلاف، مثيرة شعوري بتوافقها مع ما يعتمل في أتون المجموعة من تداخلات عميقة، ولم يبق أمامي سوى التدخل مع فنيي الحاسوب، لترتيب انحناءات الحروف وظلالها وألوانها في كلمات العناوين والأسماء.
توقف الشاعر د. أنس بديوي في دراسة متأنية لهذه المجموعة الشعرية، نشرتها مجلة «الموقف الأدبي»، على قراءة دلالات من خطوط غلافها ولوحته وألوانه، عتبة نصية في قراءة قصائدها، فأثارت دراسته ما سبق من كلمات تتوق إلى التلويح بيد من حب لكل ما في الكتب والشعر والحياة من قيم الحب والصداقة والجمال….