على الرغم من كل ما حمله العقد الجاري منذ عام 2011 حتى الآن من حروب أشعلتها الولايات المتحدة والدول التابعة لها في المنطقة والعالم، إلا أن التطورات التي فرضتها أشكال التصدي لهذه الحروب في سورية ولبنان والعراق واليمن بشكل خاص تثبت نتائجها أن الزمن لم يعد يعمل لمصلحة الولايات المتحدة وأشكال هيمنتها في المنطقة وعلى مستوى العالم، فقد ولّدت مقاومة هذه الأطراف تحالفاً تزداد قدراته وهو يمتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق فالمقاومة اللبنانية ثم إلى اليمن، ويُعززه تحالف دولي بدأ يفرض جدول عمله العالمي رغم أنف الولايات المتحدة وسياساتها الإمبريالية.
ويبدو أن الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاحظت أن تعدد أقطاب القوة في العالم سيفرض خسارة اقتصادية ومالية كبيرة على الولايات المتحدة في ساحات التصدير والتجارة العالمية بعد تطور وسائل الاتصالات وثورتها التكنولوجية الضخمة، وظهور أسواق قادرة على استيعاب التنوع واللجوء إلى خيارات لا تنحصر في الولايات المتحدة على هذه المستويات الاقتصادية.
ولذلك خاض ترامب حرباً تجارية يُرافقها التهديد بحروب عسكرية مباشرة على مستوى مناطق مثل الشرق الأوسط وعلى المستوى العالمي ضد الصين في آسيا وروسيا في أوروبا.
ولهذا اتجه ترامب في سنوات ولايته هذه إلى زيادة نفقات الحروب على الدول الصديقة والمتحالفة معه عن طريق إغلاق كل الفرص للتهدئة والحلول السلمية، بل إنه بدأ يتجه نحو تدشين حروب جديدة تفوق نفقاتها وأرباحها المالية ما جرى من حروب في ليبيا وسورية والعراق واليمن ضمن خطة دفع دول الخليج أو عدد منها باتجاه الحرب على إيران، فحين تهدد إدارة ترامب إيران بشن حرب مباشرة عليها أو توجيه ضربة عسكرية سريعة لها، فإنها تريد إشعال حروب وليست حرباً واحدة على إيران، وكأنها تفتح أسواقاً حربية جديدة لا أحد ينافسها فيها من الدول الأوروبية التي اعتادت في تاريخها شن الحروب الاستعمارية.
السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذه السياسة الأميركية: هل ستحقق واشنطن أهدافها؟ يرى المحلل السياسي تومي شيريدان في تحليل نشره في المجلة الإلكترونية الروسية «سبوتنيك نيوز» أن الإدارة الأميركية لا تريد الاتعاظ من دروس التاريخ، ولذلك لا أحد يشك في أنها تسعى إلى إشعال حرب تقوم بفبركة أسبابها ومبرراتها بيديها»، وبطريقة متسرعة لا يلجأ إليها سوى الهواة وليس المحترفين فهي بموجب ما يراه شيريدان تعرف اختيار توقيت وضع الألغام أو التخريب الإرهابي في السفينة اليابانية، لا يمكن أبداً أن يدل على وجود أصابع إيرانية في هذا العمل بل يدل على وجود أصابع أميركية واضحة، فقد كان رئيس الحكومة اليابانية شيزو آبي يقوم أثناء هذا التوقيت بزيارة تعد تاريخية لطهران وقادتها، لأن رؤساء الحكومات اليابانية لم يزر أحد منهم طهران منذ 40 عاماً، وطهران بحاجة لزيارة رئيس حكومة دولة من أكبر الدول الصناعية والتجارية والمستهلكة للنفط والغاز.
يبدو أن غطرسة القوة عند وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو وعند مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون بلغت حد أنهما قررا عبر «السي آي إي والموساد الإسرائيلي» تنفيذ هذه العملية سواء عن طريق من يتبع لهما أم بأيدي رجالهما، لكي يبلغوا عدداً من رسائل التهديد والتحريض على إيران، وعدداً من الرسائل لـ آبي لكي تفرض عليه واشنطن الابتعاد عن إيران، فهذه العملية الأميركية في الناقلة اليابانية أراد من خلالها بولتون إعطاء سبب أو مسوغ بالتراجع عن أي وساطة بين طهران وواشنطن أو بالاصطفاف مع جانب الموقف الأميركي وهذا ما لم يفعله آبي، وفي تجارة الحروب يبدو أن إدارة ترامب بموجب ما يعرضه شيريدان تريد تكرار ما كانت تقوم به بحروب الاستعمار الدول التي استعمرتها إسبانيا في أميركا اللاتينية، فمنذ 1898 كانت الولايات المتحدة تفبرك أسباباً وتغزو الدول في أميركا اللاتينية للاستئثار باستعمارها بدلاً من الاستعمار الإسباني الذي أصبح الرجل المريض في مستعمراته الضخمة في أميركا اللاتينية.
الحقيقة التي تستمدها الشعوب من هذه النيات والحروب الاستعمارية هي ليست المقاومة فقط بل زيادة تحصين مصادر قدراتها واصطفافها بعضها مع بعض لمواجهة هذه الوحوش الاستعمارية وحروبها التي لا تتوقف.
يبدو أن ترامب لم يقرأ التاريخ لأنه كان سمسار عقارات «يصلي على الحاضر» ولا يرى أن مستقبل القوة الأميركية ستظل تتراجع، لأن قوى أخرى تواجهها من الشعوب والحلفاء الذين لا يمكن تجاهل قدراتهم ولا يمكن عزلهم عن دورهم في بناء نظام عالمي ينهي غطرسة النظام الأميركي القديم الجديد والأحادي، وسيظل المستقبل المزدهر من نصيب كل من يناهض الهيمنة الأميركية، لأن تدهور قوتها وهزيمتها ستصيب كل من تحالف معها من دول المنطقة بشكل خاص.