شكلت وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي لجماعات الإخوان المسلمين في المنطقة مادة دسمة لادعاء المظلومية والبكاء والنحيب وإطلاق صلوات الغائب على مرسي وإعادة تأجيج مشاعر الدهماء كما رأينا لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير دولة قطر تميم بن حمد، وقنواتهم الإعلامية من دون أن يسأل أحد كيف تعامل أردوغان مع خصومه من جماعة غولين، وكيف سجنهم ولاحقهم ولا يزال؟ لكنه يتحدث عن مرسي بلغة سلطان مات عنده والٍ! وهذا ما لاحظناه لدى رثاء أردوغان لـمرسي!
مشكلة الإخوان المسلمين العرب أنه ليس لديهم أوطان ليدافعوا عنها، فالوطن لديهم في كل أنحاء ما يسمونه أرضاً إسلامية، وهو تعبير مطاط كذاب منافق، أنتج لديهم تنظيمات القتل والإجرام والإرهاب في كل المنطقة العربية وفي الدول الإسلامية، وأدخلوا المنطقة وشعوبها في حروب الفتنة والتقسيم والتفتيت، وبالمناسبة فإن إسلاميي تركيا وإيران يختلفون عن الإخوان المسلمين العرب، ففي تركيا وإيران تتقدم الدولة خطوتين على الإسلام، وهو ما نلاحظه لدى المس بوحدة هذين البلدين وسيادتهما، أما الإخوان المسلمون العرب فتاجروا بأوطانهم ولم يحترموا شعوبهم ولا دولتهم، فالإخوان السوريون مثلاً تحالفوا مع الشيطان ومع أعداء بلادهم ودعوا الناتو للتدخل ودمروا البنى التحتية، وقتلوا بدم بارد لمجرد أن هناك طرفاً آخر يختلف معهم، وكانوا مستعدين لبيع ذقونهم، وادعائهم بالإيمان، وبيع الإسلام الذي يدعونه في بازارات المصالح الدولية والإقليمية ولا يزالون!
فلسطين لدى حماس أصبحت خلف ظهورهم عندما تعلق الأمر بالحرب على سورية وبأيديولوجيتهم وعقيدتهم المشبوهة، فقتلوا في سورية وسكتوا ودعموا ما أسموه «ثورة» مزعومة، بالرغم من أن الرئيس بشار الأسد أشجع زعيم عربي دافع عنهم كمقاومة في اللحظات التي أرادت أميركا رميهم، والقائد المؤسس حافظ الأسد على الرغم من خلفيتهم الإخوانية جلبهم وهم منبوذون في مرج الزهور واحتضنهم في سورية، ومع ذلك خانوا وانقلبوا وطعنوا في الظهر.
أما رجب طيب أردوغان فقد انقلب ليس على سورية فقط، إنما على رفاق دربه مثل عبد الله غل وداود أوغلو وبولنت أرنيتش… وآخرين، وهمشهم ليتحولوا إلى خصوم سياسيين له، لكن لا يتخلى عن استخدام الدين والإسلام في الجدل السياسي واستغل قضية خاشقجي من أجل مواجهة السعودية، التي كانت شريكته حتى وقت قريب في غرفة عمليات الحرب على سورية، وفي أعمال القتل والإرهاب ودعمه وتمويله، والغريب في الأمر أنه لا يزال مستمراً في المقاربة نفسها دون تغيير.
في كل الأحوال فإن مرسي مات، وليس من حقنا أن نترحم أو لا نترحم فالرحمة من الله، ولكن من حقنا أن نسأل ماذا لو استمر مرسي في إعلان جهاده الشهير على سورية، وحشد الناس في مصر ضد أهلهم في سورية، ماذا كان سيحدث في المنطقة من فتنة واقتتال؟ وهي مسألة تكفي وحدها لإدراك أن مرسي لم يكن رئيساً لمصر، ويفهم مصالح أمنها القومي، وإنما كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين ينفذ أجندة الجماعة وأهدافها الخبيثة، ومن كان حريصاُ على العدالة والمستضعفين كان أولى به أن يعلن الجهاد لتحرير الأقصى وليس الجهاد من أجل تدمير سورية.
مرسي مثل أردوغان مثل كل جماعات الإخوان مشبوهون في كل شيء، فزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي لم يسمع بالوفود الإسرائيلية التي زارت تونس، وأردوغان يتحدث عن فلسطين، لكن تبادله التجاري مع كيان الاحتلال ازداد في عهده، وطيرانه لم يتوقف عن نقل السياح الإسرائيليين، فعن أي فلسطين يتحدث؟
إشكالية الإخوان المسلمين الأساسية أنهم مشروع فتنة، والدين لديهم أداة للوصول للسلطة، ويستحضرون الله والقرآن في مواسمهم الانتخابية، ويبتعدون عن الأخلاق وجوهر الدين، إضافة إلى أنهم قتلة مجرمون، وتاريخهم أسود، فرئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر فاوضهم وحاولوا قتله، والرئيس الراحل حافظ الأسد حاول إيجاد الحلول لكنهم أصروا على القتل والإجرام، واستمروا في جرائمهم، والرئيس بشار الأسد تعامل بروح وطنية عالية ونفس طويل لكن من دون فائدة، إذ إن الخارج قدم لهم المليارات لإيصالهم للسلطة من أجل مشروع واحد لجماعات الإخوان يشمل ثلاث نقاط:
– أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي (تذكروا رسالة مرسي لبيريز- الغنوشي- أردوغان… الخ).
– ربط اقتصادات الدول التي سيحكمونها بالمؤسسات الرأسمالية العالمية، ومنع قيام بنى إنتاجية حقيقية.
– منع أي شكل من أشكال النهوض الثقافي والتنويري والفكري، من أجل قيادة الدهماء وتوجيهها.
– تقسيم وتفتيت المجتمعات على أساس ديني ومذهبي لا بل المنطقة، ودولها لمصلحة كيان الاحتلال الإسرائيلي، فهم النموذج الأمثل لاستمرار قيام دولة يهودية خالصة.
إن وفاة مرسي لم تترك في نفس أي سوري عاقل ووطني ومحترم أي أثر، وخاصة أنه لو بقي مرسي يحرض على الجهاد والقتل في سورية، لكنا في وضع كارثي أكثر مما نحن فيه، ذلك أن تضليل الناس وإرسالهم في معارك خاطئة هي مسؤولية تاريخية سيحملها مرسي وغيره حياً وميتاً.
أنا من الذين لا يشمتون بالموت، لأننا كلنا سنموت يوماً ما، ولكني من الذين يعتقدون أن موت مرسي سيسعى من خلاله الإخوان المسلمون بدعم قطري- تركي للاستثمار فيه سياسياً وإعلامياً، وإعادة نبش الجمر من تحت الرماد من أجل تقويم أنفسهم، واللعب على قضية المظلومية، وتحريض الشارع من جديد، والهدف هو مصر كدولة، وكبلد عربي بغض النظر عن سياسات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومدى اتفاقنا أو اختلافنا تبقى مصر أكبر من الأشخاص.
لن نذرف الدموع على مرسي، ولكن سنقول لكل من كتب القصائد والأشعار، وتغنى بشخص أتى للحكم بالمصادفة التاريخية، أنه ذهب ولم يترك إرثاً سياسياً يمكن التغني به، أما تجارة الجثث والضحايا التي اعتاد وأدمن الإخوان العمل عليها، لم تعد تصلح لأناس يتاجرون باسم الله والدين، ومن ثم فهم مستعدون للتجارة بأي شيء آخر كما حصل في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والأهداف السياسية التي وقفت خلف اغتياله.
لنراقب من المستفيد، ومن الذي سيتاجر بمرسي، ويريد تحويله إلى حريري آخر لكن هذه المرة في مصر.