4.1 مواليد لكل سيدة وعدد السكان المقيمين في سورية حالياً 21.8 مليون نسمة … «مداد»: ما زال معدل الخصوبة عند السوريين مرتفعاً
| الوطن
رجحت دراسة صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» أن تكون الأزمة الحالية قد أثّرت بشكل حاد في معدل النمو السكاني (العام).
ورأت الدراسة التي أعدها الدكتور محمد أكرم القش ضمن سلسلة قضايا التنمية البشرية بعنوان «المسألة السكانية في سورية» أن الأزمة أدت إلى انخفاض المعدل آنياً ليصبح سالباً في السنوات الأولى من الأزمة بمستوى وصل في ذروته إلى حدود (-0.5 بالمئة)، ثم عاد إلى مستواه قبل الأزمة مع نهاية عام 2016.
وبالنسبة لمعدل النمو السكاني الطبيعي (أي بعد تحييد عامل الهجرة الخارجية أو اللجوء)، فرجحت الدراسة أنه شهد ارتفاعاً طفيفاً من نحو (2.9 بالمئة) قبل الأزمة إلى حدود (3-3.1 بالمئة) في الأزمة، ذلك نتيجة حدوث تغير سلبيّ في محددات السلوك الإنجابي واتجاهاته طوال هذه المدّة.
ونظراً إلى أن هذه العوامل كافةً تأثرت سلبياً بالأزمة، فمن المرجح في ظلّ هذا التغيّر السلبيّ لمحددات السلوك الإنجابيّ الذي صاحب الأزمة، أن يرتفع معدل الخصوبة الكلية إلى نحو (4.1) مواليد لكل سيدة، ومعدل الخصوبة الزواجية إلى ستة (6) مواليد في العام 2017. علماً أنه كان من المتوقع أن يتراجع معدل الخصوبة الكلية إلى (3.1) مواليد، والزواجية إلى (5) مواليد، وفق المسار الاستمراري (المرجعي)، أي في حال عدم تعرض سورية لهذه الأزمة الحالية.
وأشارت الدراسة إلى أن المجتمع السوري شهد طوال العقود الخمسة الماضية تحولات ديموغرافية مهمة، نتجت عنها زيادات كبيرة في أعداد السكان وتبدلات في خصائصهم وبنيتهم الهيكلية، إذ شكلت الزيادة السريعة والمطردة في حجم السكان، والتغيرات المستمرة في التوزع الجغرافي للسكان، عائقاً إضافياً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية. ومن المعلوم أن هذه الزيادة تعود بشكل رئيس إلى ارتفاع مستوى الخصوبة التي جعلت عدد سكان سورية حالياً يتجاوز خمسة أمثال حجمه في عام 1960.
إضافة إلى أن سنوات الأزمة وتداعياتها أفرزت تحديات وصعوبات كبيرة في متابعة تنفيذ الخطط الموضوعة قبل الأزمة التي بُذلت فيها جهود حثيثة، من أجل تطوير وإقرار سياسات سكانية واضحة ومحددة الأولويات، تستجيب لمتطلبات الواقع ومستجداته المتصلة بالتغيرات السكانية التي بدت ملامحها الجوهرية المبشرة بتحوّل ديموغرافي باتجاه انفتاح النافذة الديموغرافية وإمكانية تحولها إلى فرصة تنموية مع نهاية تسعينيات القرن الماضي.
ولفتت الدراسة إلى أن حجم السكان في سورية شكّل عام 2010 والمقدّر بـ(20.619) مليون نسمة أكثر من (4.5) أمثال حجمهم في العام 1960 البالغ (4.565) ملايين نسمة، حيث زاد حجم سكان سورية في هذه المدّة بأكثر من (16.1) مليون نسمة، ما يشير إلى أن الزيادة السكانية طوال هذه المدّة كانت تسير بوتيرة تصاعدية عالية جداً.
وأوضحت الدراسة أنه كان من المتوقع أن يبلغ عدد السكان المقيمين في سورية منتصف عام 2017 نحو (25) مليون نسمة، وبسبب تداعيات الأزمة التي تمرّ فيها البلاد حالياً يقدر هذا العدد بنحو (21.8) مليون نسمة. وهذا التراجع في حجم السكان الآني لا يؤشر إلى تراجع الزخم (الدفع) السكاني للسكان السوريين، إذ ما زال متوسط الزيادة السنوية للسكان في تصاعد مستمر. وتقلص حجم السكان الحالي داخل سورية، مقارنة بحجمهم المقدر الاستمراري بافتراض عدم تعرض سورية لهذه الأزمة، يعود للحركة السكانية (الهجرة واللجوء) غير الاعتيادية طوال هذه المدّة، وأنه رغم تراجعه التدريجي والبطيء نسبياً عن ذروته، بدءاً من العقد الأخير من القرن الماضي، بقي معدل النمو السنوي للسكان ينتمي إلى المستويات المرتفعة عالمياً، إذ تراجع من (3.29 بالمئة) في الأمد الواقع بين (1981-1994)، إلى (2.66 بالمئة) في الأمد الواقع بين (1994-2004) وإلى (2.37 بالمئة) في الأمد الواقع بين (2004-2010).
واقترحت الدراسة بناء قاعدة معلومات سكانية ترصد التغيرات في حركة المؤشرات؛ بهدف التدخل الآنيّ، بوساطة برامج العمل التنفيذية السنوية، إضافة إلى رسم السياسات البعيدة المدى لتحسين هذه المؤشرات، وبتوفير المقومات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لخفض معدلات الخصوبة التي يظهر بوضوح تأثرها الكبير بعاملين مباشرين هما سن الزواج وبخاصّة للإناث الذي يتحدد بناءً على المستوى التعليمي لهن ومشاركتهن بالعملية التنموية (النشاط الاقتصادي) ومستوى الوعي المجتمعيّ، وعدد مرات تكرار الحمل أثناء الزواج، الذي يتأثر إضافة إلى العوامل السابقة بمستوى خدمات الصحة الإنجابية ومقدرة الأسر على الحصول عليها.
كما اقترحت الدراسة رسم سياسة وطنية واضحة تجاه الهجرة الخارجية، للحد من الهجرة الداخلية بالعمل على تحقيق عدالة أكبر في توزيع الاستثمارات العامة والخاصة جغرافياً، وتحقيق عدالة أكبر في توزيع الخدمات الاجتماعية وخدمات البنى التحتية، وإحداث تنوع اقتصادي بما يتوافق مع الميزات النسبية للمحافظات والمناطق، والتوجه نحو البرامج الاستهدافية لتخفيف التفاوت التنموي، والاهتمام بموضوع الاقتصاد المعرفي والاستثمار في رأس المال البشري.