ثقافة وفن

ليون زكي يراهن على تشبث السوريين الأرمن بأرضهم في «تحدي البقاء»

| الوطن

راهن الكاتب والباحث ليون زكي في كتابه الجديد «تحدي البقاء… أرمن سورية 2011- 2018» الصادر عن دار الفارابي في بيروت، على إرادة السوريين الأرمن في التشبث بأرضهم وبلدهم سورية، الذي احتضنهم ووفر لهم مقومات الحياة والرخاء، بعد أن استهدفت سنوات الحرب الجائرة والجارية حالياً مناطق سكنهم لدفعهم إلى الشتات ثانية على يد أحفاد العثمانيين الجدد الذين ارتكبوا إبادة 2015 بحق آبائهم وأجدادهم.
ورأى زكي خلال حفل توقيع الكتاب، المكون من 14 فصلاً ومن 211 صفحة من القطع المتوسط والمتوافر في المكتبات السورية، خلال حفل توقيعه الكتاب في قاعة مطرانية الأرمن الأرثوذكس في كل من دمشق وحلب وبحضور نخبة من المثقفين ووجوه المجتمع في كل من المدينتين أن إخفاق الأتراك في تحقيق تغريبة أرمينية جديدة مرده إلى تمسكهم بوطنهم الأم سورية «ولإيماننا وتطلعنا بضرورة إعادة إعمار ما دمرته الحرب الظالمة في سورية وعليها».

واستشهد الباحث زكي في كلمة حفل توقيع الكتاب بمقولة عالم الآثار الفرنسي شارل ڤيرلو قارئ النصوص المسمارية التي وجدت في أوغاريت بأن: «لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان، وطنه الأم وسورية». وأوضح زكي أنه لم يقصد بالمقولة فقط أن سورية مهد الحضارة الإسلامية التي عمرها أكثر من 14 قرناً ولا مهد الحضارة المسيحية التي عمرها أكثر من 20 قرناً «ولكن حضارة الإنسان السوري الذي يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين يشهد على ذلك وجود دمشق كأقدم عاصمة مأهولة في العالم وحلب أقدم مدينة لا زالت مأهولة في العالم».
وأوضح ليون زكي، الذي يشغل رئيس مجلس الأعمال السوري الأرميني منذ تأسيسه سنة 2009، أن ما أراد قوله إن تاريخ وجود السوريين الأرمن ضارب في عمق حضارة هذه البلاد ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد عندما وفدوا إلى سورية كتجار نقلوا البضائع عبر نهر الفرات إلى بابل بالعراق «ولسنا عابري سبيل أو جالية عابرة وفدت إلى البلاد بعد الإبادة الأرمنية على يد الطغمة العثمانية، بل نحن نسيج أساسي من طيف سورية الواسع والفريد عالمياً، والأهم أننا مؤمنون بسوريتنا».
ولفت إلى أنه وثق في كتابه مساهماته حول حال السوريين من أصل أرمني قبل وخلال الحرب في وسائل الإعلام السورية والعربية والأجنبية «بخصوصيتهم المتميزة ومحطاتهم المهمة ودورهم في توطيد العلاقات مع بلدهم الثاني أرمينيا وما قام به مجلس الأعمال السوري الأرميني في سبيل النهوض بتلك العلاقات إلى آفاق واسعة تلبي آمال الشعبين الصديقين».
وأشار إلى أنه حلل وسرد في كتابه، الذي يعد الثالث له بعد كتابي «العمل والثروة» و«الحصاد السوري»، فصول الحرب ومآسيها «ومخاوفنا منها والدور السياسي المتميز لمشاركة السوريين الأرمن في الحياة السياسية لسورية والجهد الذي بذلته للوصول إلى اعتراف سورية رسمياً بالإبادة الأرمنية، والتي كانت في فترة من الفترات قاب قوسين أو أدنى»، مبيناً أنه غاص في السياسة التركية الأردوغانية التخريبية حيال تأجيج الإرهاب في سورية ومساعي المبادرات السلمية الدولية والمفاوضات لتحقيق انفراج في الأزمة.
واستعرض الكاتب أمام الحضور بعض النمنمات التي أوردها في كتابه، فقال: «لسنا خائفين من انفراط عقدنا في وطننا سورية، وبالأخص في حلب ملاعب طفولتنا ومسرح حياتنا وأحلامنا وأشغالنا، على الرغم من أننا الحلقة الأضعف التي تعول على الإسلام الوسطي البريء مما يحدث كضمانة من شركائنا الحكماء في الأرض لاستمرار بقائنا لأنها أفضل الخيارات الممكنة لسورية موحدة عصية على التفتيت».
وأضاف: «واهم من يعتقد أننا كنا جسراً لعبور أحلام وأجندة طرف من السوريين على حساب الطرف الآخر حتى خلال مآسي الحرب، لأننا منحازون لسوريتنا فقط دافعنا إلى ذلك عشقنا وتوقنا إلى السلام وسعينا إلى البناء بدل التخريب ووقوفنا على مسافة واحدة من جميع أطياف الوطن من أجل عزته ووحدته واستتباب أمنه لأننا من صلب هويته ومتشبثون بأرضه ومتسلحون بالرجاء والمحبة حتى تنجلي الأيام السود».
وأردف بقوله: «كان قدرنا نحن المسيحيين والسوريين الأرمن أن نولد في سورية، فإن العيش فيها كان خيارنا، أما اتخاذها وطناً أبدياً فبقرار من صنع إرادتنا وبكامل أهليتنا، وإذا كان قدرنا نحن الأرمن أن نستوطن سورية بحكم الظروف، فإن الإصرار على التكاثر والبقاء فيها من رشدنا مكلفين ومخيرين لا مضطرين ولا مقهورين. فلا يمكن الاستعاضة عن سورية الأرض والهواء والسماء والولاء والانتماء بكل الأصقاع والأرجاء ومهما بلغت المغريات، فهي مقصدنا الأول والأخير والنهائي لأنها الزمان الذي عشناه وسنعيشه والمكان الذي احتضن حكايتنا وتشردنا وتغريبتنا ونهضتنا وأجمل سني العمر فآثرنا التشبث به والرقاد فيه لأنه يتسع للجميع دون أن يتجزأ».
وقال: «يحق لي أن أفتخر بأصلي الأرمني وأن أعلق وسامه على صدري وصدر أحفادي ما حييت، أنا الذي ظللت وفياً لجذوري كما بقيت وفياً لمنبتي، كما يحق لي أن أتباهى بانتمائي إلى أرمينيا البلد الذي عوّد جميع سلالاته على الوله والطاعة والوفاء بزرع مورثاته فينا نحن الذين اقتسمَنا الشتات وجمعَنا الحب والولاء للوطن الأم لكنني سأظل ما حييت وفياً لوطني سورية حتى نرسم جميعاً طريق خلاصنا مما نحن فيه وملامح المستقبل الذي نبغيه وننشده، وإن غداً لناظره قريب».
وأكد الباحث على هامش توقيع الكتاب، الذي كتب مقدمته السفير السابق لجمهورية أرمينيا في دمشق الدكتور آرشاك بولاديان، لـ «الوطن» أن السوريين الأرمن ساهموا وبتفان واقتدار في نهضة سورية الحديثة «من خلال حرفييهم المهرة ودخولهم على خط استيراد التكنولوجيا الحديثة في المجالات المختلفة الصناعية والزراعية من الدول الأوروبية ثم سخروا رؤوس أموالهم في خدمة سورية دون تمييز بين مناطق سكنهم والمناطق الأخرى وحققوا إنجازات يشهد لها وبصمات واضحة في ميادين عملهم».
وشدد على أن الذين هجّروا منهم إلى أرمينيا وغيرها من دول الشتات تحمّل معظمهم غصة ولوعة البعد «وظلت قلوبهم متشبثة وعيونهم شاخصة نحو سورية لا يبغون عنها حولاً مهما بلغت حجم المغريات، ورجال أعمالهم الذين لجؤوا إلى لبنان خير دليل على ذلك بعدما رفضوا استثمار أموالهم في البلد الجار الشقيق وبإعفاءات ضريبية ومناخ استثماري محفز لأن عشقهم للوطن سورية يفوق حقهم في تعويض ما خسروه في أتون آلة الحرب الطاحنة التي لم تبق ولم تذر وطالت معاملهم ومستودعاتهم ومحالهم التجارية وبيوتهم وكنائسهم، بالإضافة إلى عمليات القتل العمد والخطف بدافع الفدية التي دفعوا ثمنها غالياً من دمائهم وأرواحهم الزكية». ولفت إلى أن أعداداً كبيرة من السوريين من أصول أرمنية رفضوا مغادرة بلدهم سورية على الرغم من الأخطار التي أحدقت بهم شأنهم شأن باقي فئات المجتمع السوري الذين آثروا البقاء ومواجهة التحديات والصعاب «وهم سيكونون أول العائدين إلى موطنهم بالتزامن مع أول يوم تحط فيه الحرب الظالمة، التي طال أمدها، أوزارها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن