ليس اعتباطاً أن يقال بأن العقل هو رديف الحكمة بل أيضاً هو حاميها لأنه، في كل الأحوال، يبقى هو أحد مصادر التوجيه لجهة الصحيح. هذا إذا كان حامل العقل واعياً لدور العقل ومكانته في الحياة عموماً.
إن العقل أشبه ما يكون بالمقود الذي يتحكم بسير الآليات على الدروب، ومن دونه لا أحد يدري إلى أي مدى يمكن أن يكون الانحدار. فبالعقل فقط يستطيع أحدنا أن يعي إلى أين يتجه أو إلى أين يجب أن يتجه.
وإذا كنا قد مُنحنا هذا الجهاز الأهم بين باقي الأجهزة لتي تساعدنا على أن نستمر في الحياة، فذلك لأن العقل يبقى، بالمعنى الذي أشرت، يبقى الأكثر أهمية وقيمة بين بقية الأجهزة، بما في ذلك العضلات اللاإرادية حيث التحكم بها يبقى خارج إرادة الإنسان.
العقل، أيضاً بهذا المعنى، هو حاضن الحكمة، هذه النعمة التي منحنا إياها الله، التي تؤدي دوراً نافعاً في حياتنا إذا نحن أحسنا استخدامها، في مكانها المناسب وفي زمانها المناسب. مع هذا، كثيراً ما نخطئ في فهم هذه المعادلة، مع معرفتنا بأن خلاص الإنسان يكمن في قدرته على استخدام الحكمة على النحو الذي يجعلها نعمة لا نقمة.
في سياق هذه الوقفة يستدعي القول بأن استخدام العقل، الذي هو مصدر الحكمة في كل الأمور أو أكثرها نفعاً للبشرية، يجنب صاحبه التطرف في الحكم على الأمور وما أكثر الأمور التي يتعرض لها الإنسان في حياته في الزمن الراهن وبالتالي تدفعه باتجاه التطرف.
إن العقل، هذا الجهاز الحاضن للحكمة، يقارب هنا الأمانة التي توضع بين يدي الإنسان ويبقى حريصاً عليها، وأكثر من ذلك يبقى أميناً على بقائها في حوزته كما وضعت بين يديه، ومهما بلغت المغريات للتخلي عنها أو للانتقاص من قيمتها. بهذا المعنى يبقى العقل سبيل صاحبه إلى معرفة إلى أين يجب أن يمضي وأين يجب أن يتوقف. وعند هذه النقطة تتجلى الحكمة وتتجلى تداعياتها في نطاق التعامل مع الذات من جهة ومع الآخر من الجهة الأخرى. وفي سياق هذه النظرة يتساوى أصحاب العقول القادرة على التمييز بين الصحيح والخطأ، وذلك بغض النظر عن السن أو الثقافة أو التجربة وهنا، تحديداً، يأتي دور وأهمية أصحاب العقول المفعمة بالحكمة، وخصوصاً في ساعة احتدام النقاش بموضوعية وبعيداً عن التطرف لجهة انتصار الحقيقة في نهاية المطاف.