تساءل أحد المعلقين الإسرائيليين أمس في «القناة 20» الإسرائيلية عما إذا كان في مقدور الجامعة العربية فرض إدخال 100 مليون دولار شهرياً للسلطة الفلسطينية رداً على مصادرة إسرائيل لأكثر من هذا المبلغ شهرياً من الضرائب التي تجبيها من الفلسطينيين؟
فالكل يرى أن إسرائيل فرضت على قطر تقديم قوائم باسم كل مستفيد من المبلغ الذي ترسله للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة وإسرائيل تفعل ذلك لأنها لا تسمح بدخول أو بتحويل أي مبلغ مالي ولو كان ألف دولار لأي فلسطيني في الأراضي المحتلة إلا بعد موافقتها المسبقة ومراقبتها للبنوك وتحويلات الأموال.
ووافقت حكومة غزة على إرسال تفاصيل كل اسم للسلطات الإسرائيلية قبل السماح بإدخال هذا المال المحدد بين فترة وأخرى. فهل ستسمح إسرائيل بأن تستلم السلطة الفلسطينية مبلغ 100 مليون دولار شهرياً وكيف ستجري عملية إدخال هذا المبلغ نقداً على شكل أوراق مالية في الحقائب عبر الحدود إلى الضفة الغربية أو عن طريق تحويل المبلغ إلى حساب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟
لا أحد يشك أن إسرائيل لن تسمح بإدخال هذا المبلغ إلا ضمن شروط وتنازلات سياسية لأن إدخال هذا المبلغ سيلغي مفعول سلاحها الذي استخدمته في تجميد أو مصادرة الأموال المخصصة للسلطة الفلسطينية، وإسرائيل تعرف أن دول الخليج يمكن أن تجمع مثل هذه المبالغ لكنها لن ترسلها إلا بموافقة الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما لا يعرف بعض القراء أن الفلسطينيين يتعرضون داخل الضفة الغربية إلى كل أشكال الحصار المالي والتجاري والاقتصادي ولا شيء يصل إلى أيديهم إلا بعد موافقة مسبقة من إسرائيل. وإذا كنا سنجمع أرقام الأموال التي أعلنت القمم العربية أو الجامعة العربية عن تقديمها للفلسطينيين فإنها تعد بالمليارات وكان آخرها عام 2018 يوم إعلان القمة العربية عن تخصيص 500 مليون دولار لأبناء القدس، فهل وصل دولار واحد إلى القدس؟
يقول الممثلون عن الفلسطينيين في القدس إن مثل هذا المبلغ حلموا به ولم يروه! فإسرائيل تسمح لهذه القمم بإعلانات من هذا القبيل ولكنها لا تسمح بأن يدخل إلى الفلسطينيين دولار واحد من دون معرفتها وفرض شروطها، وخير مثال هو ما يجري بين إسرائيل وقطر في موضوع تقديم مبلغ مالي يغطي رواتب الموظفين في قطاع غزة المحاصر وعدد من العائلات التي تعد بأمس الحاجة للمساعدات، ويعقب أحد المحللين الإسرائيليين في قناة إسرائيلية أخرى بأن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ومستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنير سيعولان على أموال «ورشة البحرين» لفرضها بديلاً من قرار تخصيص مئة مليون دولار تعويضاً عن منع إسرائيل تسليم أموال الضرائب التي تبلغ قيمتها 153 مليوناً شهرياً.
فالولايات المتحدة بدأت منذ ظهور الحديث عن صفقة القرن عام 2017 بالعمل على منع استمرار تمويل «هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أونروا» لكي تزيد من حصار الفلسطينيين ثم أعلن ترامب عن التوقف عن دفع المساعدات المالية الأميركية عام 2018 التي تبلغ قيمتها 360 مليون دولار ثم امتنع عن مطالبة إسرائيل بإطلاق سراح الأموال التي تجبيها من الفلسطينيين لمصلحة السلطة الفلسطينية، وازداد الحصار الإسرائيلي والتصعيد العسكري ضد قطاع غزة بالفترة نفسها والهدف هو إغلاق أي باب للدعم المالي بهدف إجبار الفلسطينيين على الموافقة على صفقة القرن التي يستخدم فيها ترامب أموال دول النفط لتصفية قضية الشعب الفلسطيني، والسؤال الذي يفرض نفسه بعد قرار الجامعة بتخصيص 100 مليون دولار هو: هل سيسمح ترامب بتجاوز هدف عشرات المليارات المعدة لصفقة القرن في شقها الاقتصادي ويسمح بمئات قليلة ستستخدم لرفض صفقة القرن إذا ما وصلت لأيدي الفلسطينيين حقاً؟
إن ترامب اعتاد استخدام سلاح التجويع والحصار الاقتصادي على كل من يناهض سياسته وأهدافه وهذا ما يفعله الآن ضد سورية وإيران وما فعله ضد كوريا الديمقراطية بعد رفضها شروطه وهذا ما اتفق مع إسرائيل على أن تفعله حين منعت تسليم الأموال المخصصة للفلسطينيين في الضفة الغربية، ولذلك سيظل هذا الشعب صامداً على غرار الشعبين السوري والإيراني اللذين يتعرضان لأشد أشكال الحصار ويحققان النصر على ترامب وحلفائه وربيبته إسرائيل، لذلك ستبقى أموال الجامعة العربية في بنوكها ويستمر الشعب الفلسطيني بصموده.