كلما أَتى على مَسامعي الحديث الشريف «الجنة تحتَ أقدام الأمهات» أتساءل:
عن أي الأُمهات يتحدث؟ تحديداً أن كلمةَ أمهاتٍ لم تتبعها صفة محددة لتبدو معها الأنثى وبمجردَ حملها صفة «أم» فهي عملياً من المبشرين بالجنة، بل هناكَ من ذهبَ أبعدَ من ذلكَ ليضيفَ إليه شطراً ليصبح:
«الجنة تحتَ أقدامِ الأمهات، من شِئنَ أدخلنَ، ومن شِئنَ أخرجنَ» لكن كلتا المقاربتين ليستا منطقيتين وليسَ فيهما من العدلِ الإلهي شيء، لذلك هناك من يشكّك بصحةِ هذا الحديث ويعتبرهُ ضعيفاً، وربما لكي يصدق كمقولةٍ لا كَحديثٍ شريف فإن مابين سطورهُ يجب أن يتضمنَ وفاءَ الأنثى بالأساس لجوهرِ الأمومة المقدس لا أكثر.
في السياق ذاته قد يتوارد إلينا السؤال ذاته عندما نقرأ قول الشاعِر:
قُم للمعلمِ وفِّهِ التبجيلا كادَ المُعلمُ أن يكونَ رسولا.
تُرى أي المعلمين ذاكَ الذي قصدهُ أحمد شوقي، هل يكفي أن يحملَ الإنسان لقب معلم لكي يقاربَ مرحلةَ «الرسل» ولو لم يكن وفياً لجوهرِ التعليم وقداسته؟ أما إن أسقطنا القول على أيامنا هذه فيصبح السؤال:
هل يكفي أن يحملَ الإنسان لقبَ معلم لكي يتمتع بالحصانةِ القضائية؟
نعترف أن للمعلمين دوراً كبيراً في هذه الحياة، بل قد لا نبالغ إن قلنا إنه لا يوجد أحد لم يكن لديهِ معلمٌ في إحدى مراحلهِ الدراسية طبعَ بصمته الخاصة في حياته، وإن كنا نهنئ المعلمين بهذا الإنجاز الكبير الذي سيمنع عنهم بعد اليوم ما سماهُ تعميم وزير العدل حرفياً:
(استدعاؤهم بطريقة… تنال في بعضِ الحالاتِ من كرامةِ المعلم والاحترام الذي يحظى بهِ)، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه وماذا عن باقي فئات الشعب؟
قبل أن ندخلَ في متاهاتٍ التعابير القضائية الشاسعة لنبقى في إطار التعميم الصادر عن وزير العدل الذي استشهد بالمادة 23 من قانون المحاسبة المسلكية والتي تنص صراحة على أنه:
«لا تجوز ملاحقة أحد العاملين أمام القضاء بجرمٍ ناشئ عن العمل قبل إحالتهِ إلى المحكمةِ المسلكية وفقاً لأحكام هذا القانون». إذاً فالمادة هنا تحدثت عن العاملين وهو التوصيف الذي ينضوي تحته كل العاملين في الدولة بجميع مستوياتهم فماذا عن هؤلاء؟
ألا يتمتع المهندس والطبيب بالاحترام والتقدير، ألا يملك الصحفي وخريج المعاهد المتوسطة والعامل المهني باحترام كهذا؟
أن الصفة الأولى المتعلقة باشتراع أي مادة قانونية هي عموميتها، فتشمل الشريحة الأوسع من المواطنين لذلك كنا نتمنى أن تمس تعميمات كهذه الشريحة الأوسع من العاملين في الدولة وغير العاملين في الدولة للحد قدرِ الإمكان من الظلم الذي يتعرض له الكثير من المواطنين العاديين، إن كان لجهةِ التحقيق في الأخطاء والتجاوزات الوظيفية مثلاً، أو في قضايا الادعاء الشخصي الكيدية، من بينها مهزلة «التوقيف بعد ظهر الخميس والبقاء في الحجز يومي الجمعة والسبت بسبب العطلة».
إن تعميماتٍ كهذه تبدو بالنهاية نقطة بيضاء يجب البناء عليها، تحديداً عندما نرى أن هناك وزراء يمتلكون تجاوباً سريعاً مع إصلاحات كهذه في أي خللٍ يمس كرامةَ المواطن، تحديداً تلك الإجراءات التي يعمل عليها كل من وزيري الداخلية والعدل، وجعلِ الجهات الرسمية تتعاطى مع المواطن كمواطن بمعزل عن الصفة التي يحملها إن كان معِّلماً أو عامل تنظيفات، فجميعنا نتساوى بأننا نتمتع بحق المواطنة في هذا الوطن.
في الخلاصة: أكملوا هذه الإصلاحات وأَكثروا من هذه التعميمات مع ضمانِ تطبيقها ومحاسبة المقصرين والمتجاوزين لها، لا لتصبحوا «معلمين» نقف لنوفيَ تفانيَكم التبجيلا، بل ليصحّ بكم البيت الأهم من ذات القصيدة:
إنَّ الشجاعةَ في القلوبِ كثيرة ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا.
وهل من شجاعٍ بالعقل أهم من ذاك الذي يحفظ للمواطِن كرامته؟