قضايا وآراء

أرقام تكشف ضعف إسرائيل وعجزها

| تحسين الحلبي

طبيعي أن تحاول القيادات الإسرائيلية منذ اغتصاب فلسطين وتأسيس دولتهم عدم الاعتراف بوجود أي ثغرات أو نقاط ضعف في قوة كيانهم الإجمالية العسكرية والاستيطانية البشرية. لكن التاريخ لا أحد يستطيع تجاوز حقائقه والنتائج التي تتراكم عبر الزمن الذي يشير إليه، ففي كتاب صدر بالعبرية عام 2000 تأليف موردخاي بارعون باسم «نوف مولا داتو» جاء اعتراف تاريخي بأن: «حرب عام 1948 لم يكن الصهيونيون وقواتهم أقلية أمام أكثرية حين يقال إن ثلاث عشرة دولة عربية هاجمت المنظمات الصهيونية في تلك الحرب وهزمتها المنظمات العسكرية الصهيونية والحقيقة هي أن هذه المنظمات العسكرية حشدت أكثر من مئة ألف من العسكريين والمقاتلين ولم يكن أمامهم من جيوش نظامية عربية سوى عشرات آلاف فقط»! وهذا الاعتراف يتطابق مع الواقع لأنه في حرب عام 1948 لم يكن سوى دولتين عربيتين مستقلتين في العالم العربي هما سورية ولبنان وكانت دول شمال إفريقيا مستعمرة لفرنسا والعراق وشبه الجزيرة العربية تحت الحكم البريطاني العسكري والسياسي، أما الجيش الأردني فكان قائده جنرالاً بريطانياً، فهل سيقلب وعد بلفور؟! وبرغم كل التطورات الإسرائيلية الأخرى منذ ذلك الوقت ظل الزمن يعمل ضد مصلحة بقائها وأهدافها حتى بعد عدوان حزيران 1967، ففي أعقاب ذلك العدوان نشر الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي يوآف غيلبير كتاباً بعنوان: «حرب الاستنزاف المنسية» يعترف فيه بأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شن هذه الحرب من جبهة قناة السويس منذ تموز 1967 وتكبدت إسرائيل في هذه الحرب أكثر من 1500 جندي وآلاف الجرحى منذ ذلك الوقت حتى توقف إطلاق النار في آب 1970 بطلب إسرائيلي أميركيي وبتعهد بتطبيق قرار 242 والانسحاب من الأراضي المحتلة في حرب حزيران، يشهد في هذا الكتاب إسرائيليون يعترفون بأن جثث القتلى من الجنود الإسرائيليين في جبهة خط بارليف المصرية الإسرائيلية لم تتوقف في كل أسبوع وكل يوم إضافة إلى الجرحى والمصابين.
لكن إسرائيل في ذلك الوقت لم تعترف بهذه الخسارة البشرية والرعب والفزع الذي أطلق أغنية إسرائيلية بالعبرية تتحدث على لسان جندي يقول: «لا أريد أن أموت أريد أن أحيا في أي مكان ولا أموت في الحرب» وهذا ما يستشهد به برنامج تلفزيوني في 19 حزيران الجاري باسم «غيثولا ولندون» في قناة «كان» العبرية مع روني بن يشاي المحلل العسكري وأوري ميلشتاين المؤرخ العسكري الإسرائيلي. وفي 7 كانون الثاني الماضي يعترف المحلل تشاك فرايليش في صحيفة هآريتس بأن إسرائيل تمر بأسوأ وأخطر تطورات تهدد وجودها، فتحت عنوان: «إسرائيل تواجه لأول مرة عدواً قوياً لا تستطيع هزيمته» يتحدث عن جبهة شمالية تحولت فيها هذه الجبهة مع الحليف الإيراني إلى كابوس مرعب. وإذا كانت سورية قد نجحت منذ استقلالها بالمحافظة على سيادتها وتطورها المستقل من دون أي قدرة أجنبية للهيمنة عليها فإن إيران بموجب ما يعترف التحليل السياسي في هآريتس لم ينجح أحد من قوى المنطقة أو القوى العالمية بالهيمنة عليها منذ أربعين عاماً مستمرة رغم حروب الاستنزاف المباشرة ضدها وحروب الاقتصاد والحصار عليها.
وتكشف هآريتس أن إسرائيل تجد نفسها وحدها أمام قوة جبهة الشمال ومعها إيران لأن إدارة ترامب نفسها تخشى من حرب مباشرة ضد إيران ولا تضمن نتائجها لمصلحة الولايات المتحدة ولا لمصلحة إسرائيل. ومثل هذا الوضع لم تعهده إسرائيل خلال وجودها منذ عام 1948.
الحقيقة الواضحة أن كل ما تطرحه إسرائيل من مشاريع لاستكمال مشروعها الصهيوني سقطت مثل يهودية الدولة ومثل تثبيت التوسع في المستوطنات داخل بقية الأراضي الفلسطينية ومثل المحافظة على أغلبية يهودية على كامل أراضي فلسطين المحددة بالانتداب البريطاني، فهذا التراجع الواضح والملموس لم تستطع القيادة الإسرائيلية إخفاءه، ويبدو أنها حاولت استحضار قوة وهمية بوساطة مسرحيات تطبيع بعض الدول العربية في شبه الجزيرة العربية للعلاقات معها، فلا ورشة المنامة ولا صفقة القرن نجحتا في تخفيض مستوى الأخطار التي تحيط بها من كل مكان من جنوب فلسطين قطاع غزة وفصائل المقاومة وصواريخها، ومن الوسط الضفة الغربية والملايين الثلاثة فيها ضد كل مستوطن وجندي محتل وفي داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 مليونان من الفلسطينيين المتمسكين بكل ما يتمسك به إخوتهم اللاجئون في الداخل والخارج وسبعة ملايين فلسطيني في ظل وجود ستة ملايين ونصف المليون يهودي غادر منهم بموجب أرقام الوكالة اليهودية (1.5) مليون إلى أوطانهم الأصلية في أوروبا وروسيا وجزء فضَّل المواطنة الأميركية. ولذلك يحذر الكاتب الإسرائيلي في هآريتس بأنه حين يصبح 40 بالمئة من سكان إسرائيل من اليهود والبقية من غير اليهود فهذا إعلان بسقوط المشروع الصهيوني حتى من دون حروب، لأنه لا يمكن تشكيل دولة اليهود وحدهم بـ40 بالمئة فقط على هذه الأرض.
ويعترف بالنهاية أن الحدود المحيطة بإسرائيل من سورية إلى لبنان إلى الأردن إلى مصر عند قطاع غزة ما تزال معادية لإسرائيل بكل شعوبها رغم مرور سبعين عاماً وما حدث فيها من حروب إسرائيلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن