قضايا وآراء

هموم سورية

| مازن بلال

ينقل المشهد في قمة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية شكلاً من عدم «الاكتمال» السياسي، فهو لوحة غير مرتبة لعالم يحاول جدولة التناقضات وجعلها جزءا من تفاصيل السياسة الدولية، فالقضايا المطروحة تخف حدتها أمام الصور والتصريحات التي تحاول البقاء في هامش الخلافات، وما بين انتقاد الرئيس الروسي للليبرالية وامتداحه للشعبوية أو تهكم الرئيس الأميركي على التدخل الروسي في انتخابات بلاده، فإن الهم السوري يظهر في التوازنات القائمة داخل هذه القمة، فرغم أن الأزمة السورية تبدو جزءاً صغيراً من أولويات المجتمعين لكنها تعبر عن المساحة التي يطرحها النظام الدولي في مسألة استقرار وسيادة الدول.
في قمة العشرين لا يمكننا أن نبحث عن التوافقات الدولية، فهذا المصطلح يعود لزمن مختلف لأن السمة اليوم هي تطويق الخلافات وتجميدها ضمن حدود جغرافية النزاعات القائمة، وهذا على امتداد الحرب في سورية التي أثبتت أن النظام الدولي ليس عاجزاً عن حل الخلافات بشأن مناطق التوتر، بل هو يضعها كمناطق تضمن عدم التصادم بين القوى الكبرى على المستويين العسكري والاقتصادي، فالتوترات الإقليمية بما فيها الموضوعان الإيراني والسوري هما في النهاية بوابات للتعرف على إستراتيجية الآخرين.
الهم السوري اليوم لا يكمن فقط في عدم القدرة على التوافق الدولي بشأن اللجنة الدستورية على سبيل المثال، بل بكون الخلاف مصلحة لكل الأطراف لاختبار إستراتيجيات «الآخر» والتعرف على آليات اتخاذ قراراته في مناطق التوتر، وهذا الشكل أصبح على ما يبدو نمطا دوليا سائدا يتيح عدم التصادم، فبعد «الردع النووي المتبادل» خلال الحرب الباردة، ثم «الحرب الاستباقية» بعد انهيار المنظومة الشرقية مع بداية التسعينيات من القرن الماضي؛ نحن اليوم أمام إستراتيجية «بناء التوترات» التي تبدو نمطا لتماس القوى الكبرى من دون الوصول لمرحلة التصادم.
وسط هذا الشكل الدولي من العبث بانتظار التوافقات، أو التعويل على انفراجات يمكنها أن تعيدنا إلى نقطة التفاوض، فهذه النقطة بذاتها جزء من إستراتيجية «بناء التوترات»، وهي ظهرت على إيقاع النهاية لمرحلة دولية اتسمت بعدم قدرة الولايات المتحدة على خوض حروب استباقية جديدة، والتفكير اليوم بالتفاوض على الإستراتيجية القديمة نفسها سيكرر إيقاعاً سياسياً بلا جدوى، وبالتأكيد هناك أطراف سورية تراهن على هذا الإيقاع لتمديد فاعليتها لدى المجتمع الدولي، فالمسألة اليوم ربما تحتاج لعملية تصفية بالمعنى السياسي عبر الذهاب لإعادة تشكيل الحوار بدلاً من التفاوض، والبحث عن الإيقاع السوري للأزمة عوضا عن «الرقص السياسي» الذي يراهن على الخيارات الدولية، وهو ما شهدناه خلال سنوات الأزمة.
النظام الدولي لا يملك خيارات على الأقل في المستوى المنظور، والواقع السوري ولو جرى التفاوض، لن يتغير لأن معادلة الحل السياسي لم تتشكل وفق النمط السوري، فهذا الحل وبعد كل المآسي التي شهدها المواطن يحتاج لإيقاع داخلي يملك الثقة بأن الحلول لا يمكن بناؤها برهانات دولية على الأقل في الزمن الحالي، فالهم السوري يمكن أن ينتج تصورات جديدة لا تفرض على الواقع الدولي حلولاً بل تبني سياقاً سورياً لا يمكن تجاهله.
قمة العشرين تؤكد أننا مطالبون ببناء حوار ولو عدنا في النهاية لقرارات الأمم المتحدة، وانطلاق هذا البناء هو من معرفة ما يمكن أن نفعله اليوم سياسياً واقتصادياً وثقافياً، فهذه المعرفة ممكنة عبر كل ما نملكه من معطيات داخلية مهما كانت محبطة، ففي النهاية هي الممكنات الوحيدة المتوافرة بين أيدينا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن