من دفتر الوطن

الغصة المعتادة

| زياد حيدر

مشاهدة ممتعة توفرها مسابقة كأس العالم للسيدات هذا العام، المونديال هو الثامن في إطار المسابقة التي انطلقت في العام 1991 وباتت دورية كل أربع سنوات، وبدأت تحشد جماهيرها، رغم أنها ما زالت بعيدة للغاية عن نظيرتها للرجال من نواح كثيرة أبرزها المالية والشعبية.
وفي نسختها الحالية، التي تتبارى فيها المنتخبات الوطنية لـ24 دولة، تغيب كما هو متوقع المنتخبات العربية، ومنتخبات الدول المسلمة الطابع، لأسباب مفهومة، لا يمكن قبولها إلا على مضض، ومن الصعب احترامها إجمالاً.
وكما في أغلبية المنافسات الجماعية الطابع، نتراجع لموقعنا الطبيعي، في الخلف، حيث لا تسمح البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما الدينية طبعا، ببناء مجهود جماعي مشترك، متيحة المجال للطفرات الفردية، التي تتحلى بعزيمة قوية وتصميم وإرادة تدعم بها موهبتها، للوصول إلى مراتب النجاح، ولدينا على هذه الأمثلة الفردية في سورية نماذج كثيرة من أربعة عقود وحتى الآن، من دون أن يكون لدينا نموذج واحد جماعي، يخرق القاعدة.
ويتجسد هذا طبعا في رياضة الرجال قبل أن يتجسد في الرياضات النسوية، ويمكن القياس عليهما في تقييم المستوى المتدني والمثير للشفقة الذي ندير به نشاطاتنا الرياضية الجماعية، الذي بالطبع يحصد النتائج المنطقية التابعة لنمط الإعداد هذا.
ولكن الرياضة النسوية هي مقياس آخر يضاف لحديثنا عن الفقر لثقافة الإعداد الجماعي، لأنها تمثل إلى حد كبير مستوى الانفتاح الذي يتحلى به مجتمعنا، ودور المرأة فيه، ومستوى مشاركتها في قطاعات الحياة، بما فيها التي كانت حكراً على الرجل حتى وقت قريب.
وبالطبع تلجأ بعض الأنظمة العربية لإنشاء منتخبات نسوية، من باب تسويق نفسها في الغرب كأنظمة سياسية واجتماعية منفتحة، كما في الأردن، الذي شارك منتخبه للسيدات في مسابقة كأس أمم آسيا عام 2014، علماً أن هذا الإنجاز ليس وليد تنمية جماعية ولا انفتاح اجتماعي، في بلد ليس خفيا على أحد صراعاته الدينية الداخلية، وحساسية الثقافة الرجولية فيه لكل الأنشطة النسائية.
في سورية لسنا أفضل، ومن دون إلقاء اللوم على الحرب، التي يمكن أن تكون بدورها رافعة أحياناً، خصوصاً حين الأخذ بالحسبان الآثار النفسية والمعنوية التي تركتها على جيل الشباب، والتي قد تتراوح بين ذروتي اليأس الشديد لدى البعض، والطموح الوقاد عند البعض الآخر.
عموماً سورية ليست استثناء هنا، وإن كانت في مرحلة متوسطة بين من هم في القاع، وبين من هم في مستوى متقدم نسبيا في فضاء العرب والمسلمين.
وتحتل دول الخليج والدول الأخرى ذات الأنظمة الدينية المتشددة الطابع المرتبة الدنيا في هذا المجال، بينما تتقدم دول احتكت بالثقافة الغربية بشكل أعمق كما في الجزائر والمغرب وتونس، علماً أن اعتمادها في مجال رياضة النساء كثيراً ما يكون على لاعبات مقيمات في الغرب ومتجنسات، وبالتالي هذا يصعّب عملية تقييمها كإفراز لتطور مجتمعاتها، وإن ظل علامة إشعاع بالنسبة للكثيرين الطامحين في انتهاج سلوك مشابه.
والخلاصة، ولاسيما في سياق المتابعة الممتعة لهذا المونديال، وللمنافسة الجدية والحارة بين نسوة بلدان العالم الأقل حساسية تجاه المرأة، العالم الأكثر حساسية تجاه دور أفراده، وحقوقهم في الوقت ذاته، تصاب بالغصة الاعتيادية التي لا مفر منها ومن تساؤلاتها.
لماذا، وكيف وحتى متى؟ وثم ماذا.. والحقيقة أن الأجوبة في متناول اليد وموجودة، لكن..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن