قال بدر شاكر السياب يوماً «من أسبوع لأسبوع لا يموت الجوع»!
و.. من أسبوع لأسبوع يزداد الجوع، ويزداد الجياع، ويزداد عدد الأثرياء، والفقراء معاً، هذه معادلة صعبة على الفهم والحل!
ولأنني بدأت حديثي عن الجوع بشعر السياب فإنني أتبنى ما قاله الكاتب المصري محمد عفيفي في كتابه الساخر(للكبار فقط) حيث قال:
«إذا مات رجل من شدة الجوع فهذا لا يرجع إلى شيء سوى أن رجلاً آخر قد مات في اللحظة نفسها من فرط الشبع».
بكلمات مختصرة يلخص عفيفي المشكلة، ومع أنه لم يحدد الأسباب كلها التي تجعل شخصاً يموت جوعاً، وآخر يموت شبعاً، لكنه شخّص المرض وعلى أصحاب القرار البحث عن الحلول!
لا أدعي أن الفساد هو سبب الفقر والجوع، ولا علاقة للفاسدين والمفسدين في زيادة عدد الجياع وتواصل سنوات الضياع، ولا أزعم أن لصوص النهار سرقوا رغيف الفقير، بل أغلب الظن أن الفقراء سمحوا لجلاديهم بسرقتهم علناً لأنهم على قناعة زائفة مستندة لــ«حكمة» زائفة تقول إن العين لا تقاوم المخرز!
هناك من يريدنا أن نستسلم لأقدار رسموها لنا عن طريق تكريس الإيمان بحكم قديمة «صنعت» خصيصاً لإقناع الضعيف بضعفه الأبدي، وقوة القوي على طول الزمان، (فمن يتجوز أمي يصبح عمي) و(اليد التي لا تقدر عليها بوسها «قبّلها» وادعُِ عليها بالكسر) أو (الموت مع الجماعة رحمة) ولا أدري كيف يكون الموت بالجملة رحمة، إلا إذا كان المقصود أن تموت هذه الجماعة معاً كي لا يحزن أحد على غال وعزيز يفقده بسبب الجوع والفقر والمرض والكآبة والإحباط والقهر.
الحديث عن الجوع يقودنا إلى كل المشاكل والأزمات التي تعانيها الشريحة الأوسع من مجتمعنا، بما في ذلك، بل في مقدمة ذلك، تدني الأجور والمعاشات، والارتفاع الفلكي لأسعار كل شيء، وهناك من يسأل: أمام جنون الأسعار كيف يعيش الفقراء؟ ولماذا لا نسمع عن موت الفقراء جوعاً؟
ما الخيارات المتاحة أمام المواطن العادي، أكان موظفاً أم عاملاً أو فلاحاً أو من أصحاب الدخل المحدود والمهدود بشكل عام، أليس وضعاً كهذا الوضع سيجعل الوطن يكسب فاسداً جديداً، وإن كان فاسداً صغيراً وفي بداية الطريق؟
وإذا كان هذا المواطن عصيّاً على الفساد، فماذا ستكون النتيجة؟ من أين سيتدبر أموره ويعيش على كفاف الكفاف! وربما عليه الاكتفاء بالخبز وما تيسر له من حشائش الأرض، ويقيم وليمة معتبرة كل شهر لأسرته فيها طبخة تحتوي على شيء من الدسم، أو وجبة فلافل أو غير ذلك!.
الجوع كافر، فماذا يفعل الشخص إذا رأى أولاده يتضورون جوعاً؟
لا تستغربوا استفحال الجريمة، خاصة السطو على المنازل والمحال التجارية، وابحثوا عن الجوع يدلكم على أفضل التربة للجريمة والفساد.
وكما بدأت شعراً مع السياب، سأختتم شعراً مع محمد مهدي الجواهري الذي قال:
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي….. حَرَسَتْكِ آلِهة الطَّعامِ
نامي فإن لم تشبَعِي….. مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ