سورية

اتفاق روسي أميركي على الغايات المشتركة والكرملين يشترط اتفاقات تسبق اللقاء مع أوباما … بوتين يوضح أفكاره حول سورية: انضموا إلينا في دعم دمشق لمواجهة الإرهاب

كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عما يدور في رأسه من أفكار لحل الأزمة السورية انطلاقاً من أولوية مكافحة الإرهاب، الذي أكد أن روسيا تواصل تقديم المساعدات العسكرية والتقنية للجيش العربي السوري لدحره. وبينما اعتبر كل من الكرملين والبيت الأبيض بشكل منفصل، أن غايات روسيا والولايات المتحدة واحدة في سورية، أشارت موسكو إلى أن حوارا بين بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما غير مستبعد، لكن بعد التوصل إلى اتفاقات تمهد له. وقبل أيام، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة إلى تنسيق نشاطها العسكري في سورية مع بلاده، تجنباً لأي تبعات غير مقصودة. وقال «على البنتاغون أن يرفع تعليق التنسيق العسكري مع الجيش الروسي، فروسيا لها قاعدة عسكرية في سورية، والجيش الأميركي ينشط في المنطقة». إلا أن واشنطن لم ترد على هذا الطلب، على الأقل في العلن.
وفي كلمة أمام الاجتماع الموسع لمجلس رؤساء دول منظمة الأمن الجماعي المنعقد في العاصمة الطاجيكية دوشانبه أمس، قال بوتين: «ندعم الحكومة السورية في التصدي لخطر الإرهاب، وقد قدمنا، وسنقدم لها في المستقبل جميع المساعدات الضرورية في المجال العسكري والتقني»، ودعا، البلدان الأخرى للانضمام إلى روسيا ودعم جهودها في مساعدة دمشق، كما وجه دعوة خاصة للدول الغربية كي تكف عن سياسة «المعايير المزدوجة» وتتوقف عن الاستخدام المباشر أو غير المباشر لبعض التنظيمات الإرهابية من أجل تحقيق أهداف متغطرسة، بما في ذلك تغيير الحكومات التي لا تروق للغرب.
ووصف الوضع في سورية ومحيطها بـ«الجدي جداً»، وحذر السعودية بشكل غير مباشر، من خطر تنظيم داعش الإرهابي، الذي «يسيطر على أراض واسعة في سورية والعراق»، قائلاً: «يتكلم الإرهابيون عن نيتهم الاستيلاء على مكة والمدينة والقدس، ونشر أفكارهم في أوروبا وروسيا وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا»، منبهاً إلى أن إرهابيين من بلدان كثيرة في العالم بما فيها روسيا وبلدان أوروبية والكثير من بلدان الاتحاد السوفييتي السابق، يخضعون لتأثير أيديولوجي وتدريب قتالي في صفوف تنظيم داعش، وأعرب عن القلق من احتمال عودة هؤلاء إلى أراضي روسيا.
وفي هذا السياق، كشف الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي نيقولاي بورديوجا، أن الأجهزة التابعة للمنظمة كشفت ما يزيد على 57 ألف موقع على شبكة الإنترنت، جرى استخدامها لتجنيد سكان منطقة آسيا الوسطى للانضمام إلى صفوف تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة، مبيناً أن الهيئات المختصة حجبت 50 ألفاً منها على أقل تقدير. وكرر الرئيس الروسي دعوته للتوحد في مواجهة الإرهاب، وقال: إن «العقل السليم والمسؤولية عن الأمن الدولي والإقليمي تتطلب توحيد جهود الأسرة الدولية في مجال مكافحة الإرهاب»، كما دعا كلاً من «الحكومة السورية والمعارضة ودول المنطقة إلى توحيد الجهود في المعركة ضد الإرهاب»، لكنه شدد على دور الجيش العربي السوري في المواجهة. وقال: «من الواضح، وكما يقول العسكريون، إنه من دون المشاركة النشطة من جانب السلطات السورية والجيش العربي السوري فإن النضال ضد تنظيم داعش لن يؤدي إلى طرد الإرهابيين من البلاد ومن المنطقة بشكل عام، كما لا يمكن حماية الشعب السوري متعدد الأعراق والمكونات من الدمار والاستعباد والهمجية». وذكر بأن روسيا اقترحت الشروع فوراً في إقامة تحالف واسع للتصدي للمتطرفين بحيث يشترك فيه جميع المستعدين للإسهام فعلاً بقسط واقعي في مكافحة الإرهاب، كما تفعل ذلك اليوم القوات المسلحة في العراق وسورية. وإذ أشار إلى «ضرورة التفكير بالإصلاحات السياسية في سورية»، مكرراً ما قاله سابقاً عن استعداد الرئيس بشار الأسد لـ«إشراك القوى السليمة والبناءة من المعارضة في إدارة الدولة»، شدد على أولوية توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب لأنه من دون ذلك يستحيل حل المشاكل الملحة والمتنامية بما فيها مشكلة اللاجئين الآن.
ودحض بوتين الاتهامات لروسيا بأن دعمها للسلطات «الشرعية» في سورية هو سبب ازدياد تدفق المهجرين، مبيناً أن الناس يخرجون من سورية بالدرجة الأولى بسبب الأعمال القتالية المفروضة إلى حد كبير من الخارج عن طريق إرسال الأسلحة والمعدات الخاصة وبسبب وحشية الإرهابيين وما يرتكبونه من أعمال إجرامية وتدمير للأوابد الثقافية، وختم قائلاً: «لولا دعم روسيا لسورية لكان الوضع هناك أكثر سوءاً من ليبيا ولكان تدفق المهجرين أكبر مما هو عليه الآن»، لافتاً إلى أن روسيا لم تكن هي من قوض الوضع في ليبيا والعراق واليمن وأفغانستان وغيرها من بلدان العالم ولم تكن من دمر مؤسسات الدولة في هذه البلدان وخلقت الفراغ في السلطة الذي ملأه الإرهابيون فوراً، وليس بمقدور أحد أن يقلب الأمور رأساً على عقب.
واختتمت منظمة معاهدة الأمن الجماعي، قمتها أمس ببيان أكد التصميم على مواصلة تأييد تضافر جهود المجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف في العالم.
ويغادر الرئيس بوتين القمة متوجهاً إلى وسط روسيا حيث يشارك في أكبر مناورة تجريها القوات الروسية بمشاركة نحو 100 ألف جندي.
في سياق متصل، رد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على تصريحات لنظيره الأميركي، واصفاً اعتبار جهود بلاده «متناقضة» مع جهود غيرها من الدول في تسوية الأزمة السورية بـ«الأمر السخيف».
وقال المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض جوش إرنست: إن عدم انضمام روسيا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، يمكن أن يُفسَّر بأن روسيا تعارض الدول الستين المنضوية تحت لواء التحالف الذي تقوده واشنطن. وقال بيسكوف: «لا شك أننا نرمي إلى تحقيق أهداف مشتركة ونتفق على ضرورة تسوية تلك الكارثة التي نشاهدها في سورية»، مشدداً على ضرورة بذل مزيد من الجهود من أجل مكافحة انتشار تنظيم داعش. وأوضح أن روسيا تقدم مساعدات لدمشق لأنها تعتبر الجيش العربي السوري هو القوة «الوحيدة القادرة» على مواجهة انتشار داعش، لافتاً إلى أن شركاء بلاده لا يقدمون أي توضيحات بشأن الخطوات العاجلة التي يجب القيام بها من أجل وقف انتشار التنظيم الإرهابي.
ولم يستبعد المتحدث باسم الرئاسة الروسية إجراء أي حوار من أجل توضيح مواقف الأطراف المعنية وإيجاد تفاهم وتوافق، وذلك رداً على إرنست الذي لم يستبعد إجراء مباحثات بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا حول تسوية الأزمة السورية. لكن بيسكوف أوضح أنه لا يمكن بحث أطر الحوار مع واشنطن بشأن الأزمة السورية من دون وجود أي اتفاق أو «إشارات» بهذا الشأن، وقال: «يستحيل التكلم عن شكل اللقاء من دون امتلاك اتفاقات أو إشارات ما ونحن كنا نكرر على الدوام أننا لا نستبعد أي حوار ونعتبر أنه أداة ضرورية بشكل عام من أجل استيضاح مواقف الطرفين ومحاولة التوصل إلى اتفاق وتفاهم».
ومن المقرر أن يطير بوتين إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انطلقت أمس. كما يشارك أوباما في أعمال الجمعية حيث يستضيف اجتماعاً للدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد داعش.
وفي رد غير مباشر على تحذير إرنست من أن روسيا قد تواجه عزلة دولية في حال مواصلتها دعم الرئيس الأسد، أكد بيسكوف بأن عزل روسيا دولياً أمر مستحيل، مبيناً أن النشاط الدولي المكثف للرئيس الروسي يؤكد إفلاس التصريحات حول عزلة روسيا.
وأقر إرنست بأن مصالح روسيا في سورية لا تخالف مصالح غيرها من دول العالم، مشيراً إلى أن موسكو معنية بنجاح التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب إلا أنها تريد أن تكون هناك إستراتيجية أكثر فعالية للقضاء على تنظيم داعش.
في الغضون، واصلت واشنطن ضخ مزيد من الأنباء حول نشاط روسي عسكري في سورية، فقد اعتبر المتحدث باسم وزارة الدفاع «البنتاغون» أن المساعدات الروسية إلى سورية قد تكون لبناء قاعدة جوية فيها.
ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مسؤولين أميركيين أن روسيا نشرت عدداً من الدبابات في مطار حميميم بمحافظة اللاذقية، لكنهما أضافا أنه لم تتضح بعد نيات أحدث تحرك لموسكو لنشر معدات عسكرية ثقيلة في سورية.
(سانا – روسيا اليوم – سبوتنيك – أ ف ب – رويترز – الأناضول)

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن