ثقافة وفن

الحرب يمكن أن تنقلب إلى إعادة تنظيم المجتمع … قزق لـ«الوطن»: يجب إعادة تأهيل هياكل الدولة لأننا ترهلنا في كل شيء وفي معظمها حس المزرعة أكثر من حس المؤسسة

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

بعينين يقظتين ويدين مرشدتين وآذان مترصدة يقف الممثل فايز قزق يترقب طلابه من على خشبة المسرح يتلقف كل حركة وردة فعل باهتمام مثير، فارداً مساحة خاصة لكل طالب وطالبة في مشروع تخرجهم «شارة». يحرك يديه كمرشد ومايسترو في عرض منسجم تماماً بروح أليفة غلب عليها النصح والرشد الأبوي على التدريب القسري، انسجام يقص حكايات سنوات مضت حملوا فيها العلم كمنارة أضاؤوها اليوم بكل هذا الدفع المعنوي الذي شحنوا به. ليجعلنا هذا العرض نقف على عتبة المعهد نحيي أساتذته الذين استمروا في العطاء رغم كل الظروف القاسية التي تعرضوا لها من قذائف وقطع في الكهرباء وضعف في الإمكانيات.
وجعلنا أيضاً نستوقف الأستاذ والممثل فايز قزق ليعطينا نظرة أكاديمية عن واقع الطلاب والمسرح وكما السينما وتأثيرهم. ودور التلفزيون في إلغاء تلك الحالة التفاعلية التي كانت تشهدها سورية في ستينيات القرن الماضي. نفتقدها اليوم إسوة بسطوة الفضائيات التي سرقت الناس وحتى النجوم إلى فضاءاتها مسطحة كل أفكارهم.
رجل المسرح السوري الذي ما زال يقف على خشبته متعطشاً للمزيد من العطاء يحدثنا على هامش العرض بحوار حمل مواضيع عديدة.
كأستاذ تُخرج الطلاب في المعهد العالي للفنون المسرحية، كيف ترى مستواهم وهل يتفاوتون بالموهبة أم بالتدريب؟
الموهبة موجودة عند كل إنسان على سطح الأرض وكل إنسان يستطيع من خلال التدريب اكتشاف ذاته، وعندما نقوم باختيار عدد من المتقدمين إلى المعهد هذا لا يعني أن الآخرين لا موهبة لهم فهناك حظ وتفاوت وإمكانات أكبر ورغبة أشد، كل ذلك يلعب دوراً وهناك مثابر وغير مثابر ومثقف وغير مثقف.
أنا أمضي وحس التفاؤل لا أفقده مع هؤلاء الشباب فهم القادمون ونحن الآفلون، ولا يمكن أن أشرق بصباغة شعري وشاربي إشراقة طلابي، وأقول سأشرق معهم وسيغيبون، ومن باب أفولي أحرص على أن يكون إشراقهم مهماً وبديعاً ومشعاً.

تؤسس الطلاب مسرحياً ومن بعدها يتجهون للعمل في التلفزيون، ألا تحزن على واقع المسرح السوري؟
مهمتي تنتهي مع الطلبة في تدريبهم أنا وغيري من الأساتذة ووضعهم على عتبة المعهد لتكون انطلاقتهم التي أرجوها أن تكون مهمة ومبدعة، ومهمة الدولة احترام ثقافة الشعب السوري وتفعيل هؤلاء الخريجين من أكاديميات الفنون كالرقص والموسيقا وغيرها.
إن تعيينهم في مراكز ثقافية من المفترض أن يقودوها إضافة إلى الصالات المسرحية، لأن الكثير منها تحول إلى صالات مظلمة، وبعض المراكز الثقافية تحول إلى مستودعات للخردة بدلاً من أن تكون مستودعات للأفكار والخيال والمحاكمات والاجتماعات.

بما أنك خريج المعهد العالي للفنون المسرحية في دفعته الأولى ماذا تغير فيه بين الأمس واليوم؟
النظام الداخلي في المعهد بحاجة إلى التطوير فهو ما زال على حاله منذ العام 1977، وبحاجة إلى مكان آخر لنبتعد عن التكديس في أربعة أو خمسة أقسام، فالمكان ضيق جداً على مستوى الغرف والصالات، والأستوديوهات بحاجة إلى ترميم، وبحاجة إلى التخلص من الترهل وهنا لا أقصد الترهل الإداري بل الترهل العلمي، أما إدارياً فالمعهد يحتاج إلى أساتذة، وإلى التواصل مع المهرجانات وجلب الخبرات الأجنبية سواء من الدول الأوروبية أم العربية.
وبالنسبة لي للآن ينظر إليّ بوصفي مدرساً للمعهد ولست أستاذاً مع أنني أملك شهادة الأستاذ في الفنون، ارتضيت بهذا الأمر على أن أخوض تجربتي في المعهد كإنسان يدخل بغض النظر عن الصفة. وإذا ما تطرقنا إلى الأمور المالية والإدارية فإن حقنا مهضوم في مسألة المال ومن المعيب أن أقول ما هو مرتبي عبر هذه السنوات، كما أننا بحاجة أيضاً إلى معهد آخر سواء في حلب أم واللاذقية وغيرهما وهذا الموضوع طرحته منذ العام 1990.

برأيك هل تحل الثغرة بإقامة معاهد في أكثر من محافظة؟
ناهيكِ عن المعاهد العليا هناك معاهد للتدريب المسرحي لمدة عام أو عامين معترف بها في الوزارات المعنية، لإنتاج مدربين على مستوى المدارس والثانويات، وتفعيل مادة المسرح وهي مادة ذات طابع اجتماعي وموجودة في جميع مدارس العالم، وأعتقد أن مدناً (كسلمية وصلخد والبوكمال وصافيتا وجبلة.. ) فيها من الطاقات البشرية ما يصنع ألف مسرح.

هل هناك من يعمل لتقويض الثقافة السورية؟
بالطبع هناك محاولة لتقويض ثقافتنا السورية سواء من خلال النظر إليها من الخارج على أنها عادية وليس لها أهمية، ومن ثم يتم إنتاج الدراما السورية التي امتصت كل خريجي المعهد إلى مسلسلاتها وإلى أماكن تصوريها.
كم عرضاً مسرحياً قدم في تاريخ المسرح القومي في طرطوس وحلب والحسكة ودمشق، وكم عدد الزوار الذين ارتادوا المسرح في العقدين الماضيين؟ وإذا ما قارنا نوعية الجمهور الذي كان قبل 20 عاماً ونوعية الجمهور اليوم، وهل لدى هذا الجمهور الرغبة في العودة إلى الصالات بعد أن دجّنت سلوكياته الأقمار الصناعية والفضائيات وبرامجها والخطط التي وضعت من أجل انهيار الثقافة في بلادنا العربية وغير العربية.

ماذا يمكن أن نفعل في وجه هذا الاجتياح الفضائي وكيف نحصن أنفسنا؟
يفترض أن نحصن أنفسنا لصد الهجوم المسلسلاتي الفيديوهاتي بمعنى البرامج الدينية والسياسية والحوارات التحريضية، ونعمل على بناء التحصين الداخلي والعقلي للإنسان، وأن تكون العقلية في بلادنا مبنية على أساس التثقيف منذ الصغر، وحتى قبل الولادة نجد الأم الحامل تنصت لسماع الموسيقا الهادئة حيث يبدأ الجنين في الشهر الرابع والخامس بتخزين الموسيقا في دماغه.
التثقيف يبدأ من هنا، فالإنسان الذي يولد الآن هو المستقبل، فإلى أي حد نستطيع احترام هذا الإنسان الصغير في عمره الكبير بإمكاناته وكيف سيكون واقعه المستقبلي؟ والعالم الذي نهض سواء في أندونيسيا وماليزيا والصين وبعض البقاع الأوروبية والإفريقية عمل على احترام الطفل منذ الولادة عبر التعليم المهم والمتطور والتربية والتوعية المستدامة وتأمين كل ظروف حياته حتى بدت هذه الأماكن متطورة في ظرف قياسي لا يتعدى أحياناً الأربعين عاماً.
على حين منطقتنا تحطمت في واقع مئة عام وفقدت ميزتها الحضارية الأصلية وباتت منتفة بين ألف فكرة، بعضها صحراوي قاسٍ لا قدرة لهُ على رؤية المستقبل، والبعض الآخر همجي لا يود لمستقبل هذه المنطقة امتلاك العلم، إذاً نحن بحاجة إلى فهم كل التواريخ المعقدة للمنطقة والعلم هو الحل.

الرجوع إلى الجذور والاحتفاء والتذكير بمبدعينا ممكن أن يكون جزءاً من الحل؟
من المفروض أن تزين شوارع دمشق وحلب بآلاف التماثيل كما تزين إيطاليا مدنها بتلك التماثيل واللوحات، وأن توجد خطط إستراتيجية لرفع مستوى مداخل المدن، ونركز على الزهور فقط لا على الحشائش واللون الأخضر الذي يعتبر مرعى للبهائم- فالوردة لا يأكلها الخاروف- وعندما يوضع الحشيش في المطاعم والحدائق من دون الورود معنى ذلك أنني خروف معد للذبح، تلك إشارة يجب أن نعيها، أنا أتحدث عن إشارة واحدة لكن هناك العشرات من الإشارات في المجتمع.
وعند السير في شوارع دمشق نجد من احتل بلاطة بسيارته أو بكشكه واعتدى على الرصيف ووسعه على حساب مصالحه، كل ذلك يجب أن ينظم بقضاء عادل وحقيقي وغير موارب من خلال محامين يحمون الإنسان لا يحمون مصالحهم، لذلك فإن الحرب يمكن أن تنقلب إلى إعادة تنظيم المجتمع.

هل نمتلك القوة كي ننهض مجدداً؟
لدينا من القوة الهائلة ما نحسد عليها في سورية، وأنا أتحدث عن الإنسان ولا أتحدث عن نفط أو غاز أو غيره مع أهمية هذه الأشياء، ولكن لدينا من القوة البشرية والخيالية التي تضاهي كل خيال موجود في أوروبا وأميركا ولا يضاهينا بها سوى الشعب الصيني في حضارته العتيقة ولنا القدم نفسه من الحضارة، من هنا انطلق الوعي البشري وانطلق الإنسان حتى وصل حدود الهند وعبر البحر الأبيض المتوسط الذي كان يدعى البحر السوري في خرائط الإدريسي.
لذلك علينا أن نلملم كل ما يرتبط بالوعي البشري الإنساني ونعود إلى احترام الإنسان فينا منذ طفولتنا إلى كهولتنا وشيخوختنا وإلى القبور التي نقبر فيها موتانا.

أتقصد بأننا لا نقيم قبوراً فاخرة لمبدعينا؟
لدينا أجداد يستحقون أن يقبروا في مقابر تشبه المتاحف ويزرع فيها الورود، فقبور الأجداد الذين بنوا أوروبا والصين واليابان هي أشبه بمتاحف، وهذا موضوع مهم جداً لأن الاستهتار بالجيد من أجدادنا ومبدعينا يعتبر مسحاً للذاكرة ومسحاً لأرشيفهم، وهنا أستذكر بأسى ذلك المنظر الذي رأيت الشاعر الدمشقي نزار قباني مرمياً في ذلك القفص بمقبرة «باب الصغير» وقطع الأوساخ منتشرة حوله، أرى أن نزار يحتاج مقاماً رفيعاً لتأتي إليه كل أفواج الأرض وعشاقها تحج إليه.

أليس الأجدر بنا إقامة تماثيل خاصة بهم؟
بالطبع ولكن هناك من لا يريد أن يكون للإنسان أرشيف، وعندما نضع التمثال نحن نكرس ذاكرة في المكان، لذلك يجب أن نضع تماثيل لأجدادنا المهمين تمجيداً لما قاموا به من رغبة في نهوض المجتمعات ليكون الأرشيف شاخصاً أمام العالم.
وفي فرنسا هناك تماثيل لـ«جان جاك روسو»، كما لديهم تماثيل لـ«ابن رشد»، لذلك عندما أتحدث عن نزار قباني كمثال ولدينا الكثير من الأمثلة على مستوى الآداب والفنون والمسرح والسينما أين تماثيلهم الحقيقية؟ لا المفبركة أو الاستعراضية أو المعمولة على عجل، حتى نلملم أرشيفهم الذي مزقه ألف مستعمر ومتهافت من الداخل لا يرغب في أن يكون للمكان ذاكرة.

هل تطمح بعد عمر طويل أن تشيد لك منحوتة؟
«يبتسم».. ثم يقول: هذا الذي يتحدث إليكِ ليس في استطاعته أن يعطيكِ صورة واحدة حقيقية عن مشروع تخرجه، ولم يكن لنا احتفال في المعنى المهيب كدفعة أولى تتخرج في سورية، ولم يكن لدينا لباس تخرج صمم خصيصاً للمعهد، وعندما لا تكون لي هذه الأشياء التي تكون عند كل خريجي الأرض في كل حيز من العلوم والثقافة والفنون والفلسفة، أقول إنني مسحت من هذا المعهد كذاكرة، ولم يعد لي قيمة وإلى الآن تحتفظ جامعة «ليدز» في بريطانيا بما قدمته من أعمال في أرشيفها وتحتفظ بصوري كممثل وليس فقط كطالب للإخراج.
وأنا لا أريد أي نوع من التماثيل، لكن من حق خريجي هذا المكان أن يكون لديهم أرشيف مفترض ومتكامل لسعد الله ونوس وشريف شاكر ونديم محمد ونعمان جود وجواد الأسدي، ونائلة الأطرش، كل ذلك يقود إلى طمس الأرشيف عند وضع لوحات لا تحمل سوى الأشياء البسيطة أو الصور المعمولة على عجل لبعض المشاريع بأشكال مختلفة، وذلك يستدعي فعلياً أن تنطلق ثورتي.

هل قدم فايز قزق كل ما لديه في التمثيل؟
كنت اتمنى إعطاء كل ما أملك في فترة الشباب القاسية لكن الظروف لم تكن طبيعية باستمرار ليكون الإنتاج متواصلاً من مسرحيات مهمة، ومن توطين لعملي إلى جانب زملائي الذين كانوا بالإمكان أن يكونوا بجواري في فرق مسرحية توطن مرة ثانية في المراكز الثقافية، وما فائدة المركز الثقافي من دون فرقة مسرحية وموسيقية، لم يكن لديّ هذا المحيط، وللأسف جاءت الفورة التلفزيونية القاسية في اللحظة التي تخرجنا فيها، اكتسح التلفزيون الأشياء وامتص الممثلين وحولهم إلى نجوم وامتص الكتّاب المسرحيين وحولهم إلى كتّاب سيناريو وامتص الروائيين وحولهم إلى كتاب سيناريو باللغة العربية أو بالعامية.

هل تلغي وسيلة (كالتلفزيون) الوسائل الأخرى (سينما ومسرح..)؟
التلفزيون امتص كل مفرزات السينما والمسرح من إخراج ومونتاج وبات كل عابر سبيل قادراً على الدخول في هذا المجال بغض النظر عن شهادته وتربيته وآراءه الكل في عجانة واحدة. البعض قد يكون له حظوة عند منتج أميّ هنا أو منتج خليجي هناك، وانتهى بنا الأمر إلى عدم وجود ممثلين مسرحيين سوريين من نمط منى واصف ويوسف حنا وعصام عبه جي وعدنان بركات ومن جاؤوا بعدهم بقليل ممن كان بالإمكان أن يكونوا رواداً للمسرح العربي.
إلا أن تلك الآفة التلفزيونية اكتسحت كل شيء وامتصت الصبغة الكاملة والناقصة للمسرح في سورية، حاملة معها نوعاً من القرار المبطن لإلغاء أي اجتماع في السينما والمسرح، هذان الاجتماعان الخطيران اللذان يفعلان الحوار واليوم نحن نلهث باتجاه الحوار ولا يوجد حوار.

برأيك كم هو خطير الانتقال من منطق المحاور إلى منطق المتلقي؟
الاجتماعات المتاحة في معظمها تقول إننا يجب أن نبقى بموقع المتلقي والمستمع لا ممن يحرك لسانه بفعل تفعيل الملكات العقلية من خيال وتأمل وثقافة مكنوزة في الدماغ لنكون ممن نقول، ثمة من يقول وعلينا أن ننقل القول ومنذ صغرنا بنيت عقليتنا على فعل قال وهو فعل ماضوي، وللأسف لدينا عقلية ماضوية نقول ما قاله الأولون من دون أن يكون لدينا رأي، وخاصة عندما تسمرنا بالملايين نحن والشعوب التي غيب عنها العلم والعقل عند تلك الشاشات وبأيدينا تلك المنتجات التي أنتجها الإنسان من موبايلات وابتكارات كمبيوترية نعتقد أننا إذا أمسكنا هذه الأشياء يمكن لنا أن نكون متطورين. وهنا الخديعة الكبرى نعم شبابنا يشبهون شباب أوروبا وأميركا والبرازيل وتشيلي والهند وغيرها من الأماكن التي فيها نوعاً من النمو العقلي المحترم للإنسان، لكن حقيقة الأمر هم في معظمهم يشبهون قميص اللوكس البراق والمضيء وتكفي نفخة صغيرة من طفل باتجاهه ليتحول إلى رماد أسود على الأرض.

أين المسرح السوري خارج الحدود السورية؟
هذا الموضوع ليس منوطاً بي، ومهمتي ما فعلته مع طلاب السنة الثالثة وكذلك طلاب السنة الرابعة من خلال مشاريع تخرجهم. أما غير ذلك فهو منوط بعميد المعهد والسيد وزير الثقافة ورئيس مجلس الوزراء والحكومة بشكل عام، وهناك مشاريع مهمة جداً في المعهد لشباب جدد وأساتذة محترمين، وإذا استطعنا أن نسفر المعهد إلى الشرق والجنوب فهذا أمر جيد، لأن سورية هي مهد المسارح وكان قبل ألفي عام مدرج بصرى الذي نحته السوريون، ومدرج جبلة وقبل ذلك مدرجات السيدة السورية زنوبيا التي نحتت مدينة بكاملها وقارعت همج أوروبا القادمين من روما، وكان لنا طقس البيدر الذي خرجت منه أول دبكة في التاريخ.

كم نحن بحاجة إلى إعادة هذه الفرق السورية وما أهميتها؟
يجب إعادة الفرق ذات الصبغة الحضارية التي للأسف نكاد نفقدها بالزحمة التلفزيونية التي مسخت كل إمكانية لدينا على مستوى الصوت والغناء والموسيقا والتمثيل والسينما وباتت مبسترة في برامج تدعي ما تدعيه من مواهب لقنص المواهب ذات السيادة، كما للسيادة الفيروزية علاقة وطيدة مع شعبها لا علاقة وطيدة مع الفضائيات. في الفضائيات لا سيادة للإنسان السيادة تكون لصانع القمر الصناعي الذي يجند أموالاً تخديماً لمزيد من السيطرة على مليارات البشر وشحنهم إلى أماكن تخديم نظامهم العالمي الرأسمالي المؤمرك.
يجب لملمة القوى في مجتمعنا والمجتمعات المجاورة عندها نقول إننا بدأنا نخرج من ظلمات الدماغ إلى أبهى العقل وإلى الاستنارة العقلية والقدرة على فهم ما نحن فيه ويجب البدء من اليوم للظهور بنتائجها بعد عقود وفق مناهج علمية تحترم الإنسان وأي مفهوم يطغى على مفهوم الإنسان ويحاول أن يزيله وفق أي لقب كان وبأي إشارة كانت هذا يعني تدميراً إن لم يكن في راهنيته ففي قادم الأيام.

ما دور نقابة الفنانين من كل ذلك وماذا تقدم للفنان السوري؟
علينا البدء بإعادة تأهيل هياكل الدولة من الصفر لأننا ترهلنا في كل شيء المؤسسات مستباحة في معظمها ونجد فيها حس المزرعة أكثر من حس المؤسسة. تلهث وراء الصغير المبدع، وعندما تصبح المؤسسة ملكاً للمعمرين من البشر الذين يحاولون أن يحتفظوا بمناصبهم ويهرسوا الأفكار الجديدة عندها تتحول هذه المؤسسة إلى مزرعة. واعتقد أن الحرب يمكن أن تكون فرصة لإعادة تكوين هذه المؤسسات تكويناً حديثاً من أدق الأشياء على مستوى المبنى وفي المهمات المستقبلية.
والمؤسسة عندما تكون موجودة بهيبتها، مصونة بمنطقها، واضحة بأهدافها، للقيام بكل الأشياء المنوطة بها تجاه الشعب السوري، عندها علينا أن نصونها بمحامين حقيقيين صادقين مع ذواتهم. وذلك يحتاج إلى نفض كل الأفكار التي أدت إلى تحول هذه الأماكن إلى أماكن متهتكة.

ماذا عن واقع السينما في سورية؟
سورية تحتاج إلى إنتاج أكثر من 50 فيلماً روائياً كل عام وفق تاريخها، واقصد فيلماً متروى في كتابته ينطوي على فلسفة عميقة، وأن تكون على مستوى الكثير من الأفلام العالمية التي تمت بحكمة وعقل واحترام للإنسان. وقد يكون مخرجاً من السوريون أنفسهم ولدينا من الكفاءات لنكون الأقدر على مستوى المنطقة العربية والإفريقية وفي بعض الحالات ننافس على مستوى أوروبا والصين واليابان.
وليس علينا في حال أمسكنا الكاميرا السينمائية سوى أن نمتلك الخيال. والخيال موجود في كل بقعة أثرية وفي كل إنسان يتحدث عن واقع الحرب والسلم وعن الكيان الصهيوني وكيفية اجتثاثه بفعل مقاوم، نحن نحتاج إلى هذه السينما المقاومة التي لا تتحدث عن المقاومة بصيغتها الحربية بل ترفع من شأن الإنسان وتعطيه الشعور الحقيقي بإنسانيته وشجاعته للانطلاق مع الشعوب بمفهوم العلم.
نحتاج إلى عين سينمائية تعطي شارات فعالة وتلقي بهموم عدد كبير من البشر حتى يبدأ الحوار الجدي الحضاري والندي، وفي نهاية المطاف سيصل هؤلاء المتحاورون إلى جوار بعضهم عبر صالة وطنية في جمهور الصالات وعبر المسرح في صالاته التي يجب أن تتعدد على الأقل في دمشق كما كانت في الستينيات (18 مسرحاً فعالاً و41 داراً للسينما) وكان يفترض أن تكون الآن بالمئات إلا أن الوضع تغير.

غياب تلك الصالات كم له دور في ما وصلنا إليه اليوم؟
عندما سئلت عن أسباب الحرب قلت إن أهم الأسباب هو تجفيف الثقافة السورية وجعلها محصورة بأفراد ومؤسسات انطوت على نفسها وتقوقعت، ولم تعد قادرة على جلب الإنسان إليها، اليوم تفعيل هذه المؤسسات وانفتاحها على الشعب السوري أمر مهم ليعي هذا الشعب ما هي أزمته فعلياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن