قضايا وآراء

العدو الذي لا غنى عنه

| دينا دخل الله

قصة ترامب مع إيران هي قصة «العدو الذي لا غنى عنه»، فمفهوم «العدو الضروري» يقع في صلب الجيوسياسة الأميركية، وبوجود هذا العدو الافتراضي يمكن تحقيق عدة أهداف. فهو يعطي ذريعة لأميركا للاستمرار في الهيمنة على أوروبا ما دام هناك «عدو مشترك»، كما أنه يرضي لوبي المجمع الصناعي العسكري القوي في كاليفورنيا لأن العدو يتطلب إنتاج المزيد من الأسلحة لمواجهته، ومفهوم العدو يعزز قدرة الرئيس على ابتزاز الخليج وأمواله بحجة الدفاع عنه ضد هذا «العدو».
إنه الفزاعة التي لا غنى عنها كي تستقيم أمور الهيمنة، صدقوا أو لا تصدقوا أن هنري كيسنجر عندما كان وزير خارجية بداية السبعينيات جاء إلى باريس واجتمع بسفرائه في جميع دول أوروبا الشرقية طالباً منهم ألا يتعاونوا مع الحركات المناهضة للشيوعية في الدول التي يعملون بها، لأن «الشيوعية ضرورية لنا كي يستمر وجودنا في أوروبا الغربية» كما قال، أي إن العدو ضروري كي تستمر الهيمنة.
الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة فرح بانهيار الاتحاد السوفيتي، لكن الجمهوريين التقليديين مع ترامب مازالوا يؤكدون أهمية «العدو»، وهم يعتقدون أن الرئيس السابق باراك أوباما بقبوله الاتفاق النووي الإيراني فتح الباب لأوروبا الغربية كي تبتعد عن واشنطن لأنه لم يعد هناك «عدو».
وفعلاً، بدأت أوروبا تفتح آفاق التعاون مع إيران بعد الاتفاق النووي (5+1)، واتجاهها نحو الشرق يعني تخفيف التزاماتها تجاه الغرب الأطلسي، لذا كان لا بد من تضخيم العدو الإيراني «والمبالغة في إظهار مخاطره»، فهو يريد إنتاج السلاح النووي والصواريخ البالستية وهو يدعم الإرهاب ويهدد أمن المنطقة، وهو.. وهو.
الدليل على أن الأمر يتعلق بتضخيم العدو أن ترامب يلحق تهديداته بالقول دائماً إنه لا يريد حرباً مع إيران، أي إن العدو مصطنع عملياً، صحيح أن أميركا لم تكن تريد حرباً مع الاتحاد السوفيتي، لكن المسألة هناك تختلف حيث كان السبب في عدم الرغبة بالحرب هو توازن الرعب أي التوازن النووي مع السوفييت، أما مع إيران فهذا السبب غير موجود.
في النهاية لا بد من الاستنتاج أن «المسألة الإيرانية» المفتعلة، التي هي تعبير عن الحاجة إلى عدو، تؤكد أن أميركا ليست ناضجة بعد لعالم جديد تنتفي منه الهيمنة وتسوده مبادئ القانون الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن