قضايا وآراء

البحرين تطلق مشروع «إسرائيل الكبرى»

| عبد المنعم علي عيسى

لشد ما ترصد «ورشة البحرين» المنعقدة يومي الأربعاء والخميس الماضيين حالة قصوى من الوهن العربي، وفي منعرجاتها تبرز العديد من معالمها والكثير من موجباتها، فمؤكد أن «المهندسين» يرون، وفي الأمر ما يدعو إليه، أن حال التشرذم وهشاشة الأنظمة العربية القائم تؤسس لفرصة نادرة يمكن من خلالها تمرير ما لم يكن ممكناً تمريره في السابق، لكنها في ملمح آخر يبدو من بعيد، ترصد أيضاً حالة حرج غربية إسرائيلية واضحة، وناظروها يرون أن حال مستقبل الكيان الذي شكل قلعة الغرب الإستراتيجية الأولى في المنطقة لا يبشر بالاطمئنان مما استدعى الرمي بكل هذي الأثقال التي استجمعت الدولي والإقليمي مع تسجيل حالة إخفاق في الحالة المحلية الفلسطينية كانت بارزة ومن الممكن البناء عليها، إذ لطالما كان الفاصل ما بين الوهن والقوة شعرة واحدة لا أكثر، وعجينة الأول لا تختلف كثيراً عن عجينة الأخير، فقط هناك الفرن الذي يمكن له أن يقوم بإنضاج كل منهما وشروطه هي التي ستحدد المنتج وقوامه الذي سيجيء عليه.
مستشار الرئيس الأميركي غاريد كوشنر قال من المنامة: إنه سيجعل من غزة أرض الأحلام بعدما أمساها أسلافه يباباً وأطلالاً دارسة أو هي تعيش حالة تجفاف عروق الحياة فيها، لكن وعد كوشنر مرتبط بشروط عدة أهمها الموافقة على اغتيال التاريخ ومعه محو ذاكرة الأجيال الحافظة للتراث والفكر والثقافة، وإلا فماذا يعني اختيار مسار أوحد هو الاقتصاد الذي يرى المصممون أنه كفيل بتحييد السياسة خصوصاً أن هذي الأخيرة باتت هي الرهان الوحيد الذي اختاره الفلسطينيون لمقاومة المشروع الإسرائيلي بعدما تم إلغاء خيار البندقية منذ اتفاق أوسلو 1993.
استفادت التجربة الإسرائيلية كثيراً من تجربة شبيهة بها جداً مثلها نظام «الأبارتيد» العنصري الذي كان قائماً في جنوب إفريقيا ما بين 1948-1993، فوجه التشابه بين الاثنين أكبر من أن يحد، وكلاهما كان تركة للاستعمار البريطاني الذي لم يحل في مكان إلا وترك فيه أوراماً عصية على الشفاء، وكلاهما قرر ركب قارب نجاته الذي يسير بعكس منطق التاريخ، كانت معضلة نظام الأبارتيد تتمثل في كيفية أن يستطيع 4 ملايين من «البيض» هم من مخلفات الاستيطان الأوروبي البادئ منذ القرن السابع عشر الاستمرار في حكم 24 مليون من «السود» يمثلون سكان البلاد الأصليين.
كان الرهان على أن منطق المصالح سوف يظل حاكماً للموقف الغربي الذي سيستحيل عليه التخلي عن ذلك النظام تحت أي ظرف كان، ففي الثمانينيات من القرن الماضي كانت جنوب إفريقيا تتحكم برأس الرجاء الصالح الذي كانت تمر منه 60 بالمئة من شحنات النفط الواردة إلى الغرب، وتنتج 55 بالمئة من ذهب السوق العالمية و85 بالمئة من البلاتين العالمي، والأرقام السابقة كانت توحي للغرب بأن سقوط نظام الأبارتيد قد يؤدي إلى انهيار حتمي في الاقتصاد العالمي شبيه بذلك الذي حصل في العام 1929 الذي كانت الحرب العالمية الثانية إحدى مفرزاته، وما سبق شكل أساساً لإستراتجيات غربية اتخذت قراراً بدعم مسير القارب نحو النجاة مهما اشتدت أعاصير منطق التاريخ وحتمية التطور المحيقة به، إلا أن ذلك كله لم يجد نفعاً ولا استطاع إنقاذ القارب من غرقه المدوي في العام 1993.
تزامن هذا الحدث الأخير مع جرعة إمداد كبرى كان قد تلقاها «الشبيه» الشرق أوسطي مما مثله اتفاق أوسلو، أحيت تلك الجرعة آمالاً وآمالاً ثم جرى العمل على تلافي عثرات الشقيق الجنوب إفريقي، فكان التركيز على التعاطي مع الخطر الديموغرافي النامي عبر مؤتمر «هرتسليا» السنوي الذي أنشئ خصيصاً لمواجهة خطر النمو السكاني الفلسطيني، كما جرت محاولات نسف الثقافة الفلسطينية ورموزها الأصيلة عبر التركيز على ثقافة بديلة ناشئة من الرحم نفسه، ويجري اليوم التركيز على تخفيف أعباء الغرب تجاه إسرائيل عبر مد شرايين لها في المحيط مما يمثله توجه «ورشة البحرين» التي مثلت عملياً صندوق «زكاة» خليجي لترميم عيش الفلسطينيين بما يكفي لنسيان هؤلاء همومهم الوطنية واقتلاع جذور صراع امتد لسبعة عقود من أعماقهم.
كان لافتاً أن الجسد الفلسطيني قد استعاد عافيته عبر موقف موحد غير مسبوق منذ العام 1987، وذاك لوحده يؤسس لدخول الصراع مرحلة جديدة من الصعب اليوم التكهن بمخرجاتها التي يمكن أن تفضي إليها، إلا أنها إيجابية بالتأكيد، الموقف الفلسطيني اليوم يعلي الصوت ويقول إن سبعة آلاف سنة من الحضارة تقول لا، وحكمه الصادر بحق إسرائيل مفاده أن هذي الأخيرة محكومة بالزوال حتى ولو مضت في قارب من الذرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن