قضايا وآراء

إسرائيل: تزايد الأخطار وفشل الحلول

| تحسين الحلبي

كعادته عقد مركز هيرتسيليا للأبحاث الإسرائيلية المتعددة الاتجاهات مؤتمره السنوي في 30 حزيران الماضي حتى الثاني من تموز، وفي جلسة اختتامه عرض البروفيسور الإسرائيلي المتخصص بأبحاث استطلاع الرأي آفي داغاني ملاحظاته على نتائج استطلاع أجراه عام 2018 على المجتمع الإسرائيلي، فتبين له أن إسرائيل تواجه من ناحية سياسية واجتماعية واقتصادية أكبر أزماتها وأنها تدور في هذه الأزمات حول نفسها منذ أول حكومة تشكلت عام 1948.
وذكر أن الجمهور الإسرائيلي تزداد كراهيته لعدد من الأحزاب بسبب تزايد أعدادها عند كل انتخابات وفوز ما لا يقل عن 12 إلى 14 حزباً في كل دورة انتخابية، وأن 56 بالمئة من هذا الجمهور يوافق على تحديد قانون يفرض بطريقة ما عدم وجود كل هذا العدد لأنه يزيد التناقضات والانقسامات التي لم يستطع المشروع الصهيوني التخفيف من مضاعفاتها وآثارها في معظم المجالات.
وقال داغاني إن 34 بالمئة من الإسرائيليين كانوا يتمنون ألا يولدوا في إسرائيل وأنهم يفضلون المغادرة من دون عودة إلى أميركا أو إلى سويسرا أو كندا أو أستراليا وبريطانيا.
ومع ذلك لا يمكن الاعتقاد بأن المشروع الصهيوني نجح في صهر الاختلافات والتناقضات الصارخة الإتنية والمذهبية بين المستوطنين والمهاجرين اليهود داخل إسرائيل، وهذا ما تؤكده التظاهرات والاحتجاجات الأخيرة لما يسمى «يهود فلاشمورا» الأثيوبيين الذين جرى تهجيرهم من وطنهم أثيوبيا إلى إسرائيل في منتصف الثمانينيات ثم في بداية التسعينيات من القرن الماضي فأصبح عددهم الآن في إسرائيل ما لا يقل عن 125 ألفاً يعيشون في مستوطنات مشتركة ولا يقيم بينهم يهود بيض لأن بشرتهم الإفريقية الأثيوبية جعلت اليهود «الأشكناز» أي الغربيين، لا يعترفون بأنهم يهود ويتعاملون معهم بشكل عنصري لأنهم سود أفارقة.
وهكذا أصبح المشروع الصهيوني لإنشاء وطن قومي لليهود هو استيطان يحمل كل أشكال التعامل العنصري العرقي والإثني والمذهبي داخل إسرائيل التي تحولت إلى ساحة لشتى أشكال التمييز التي تعد جريمة حرب في ميثاق الأمم المتحدة وعند جميع دول العالم.
وهذا ما جعل داغاني يحذر من أن يتحول المجتمع الصهيوني داخل إسرائيل إلى نزاعات تبلغ درجة الحرب الداخلية، فهو يرى تناقضاً كبيراً بين واقع أن الجيش الإسرائيلي يتمتع بقوة عسكرية كبيرة وحصانة معقولة على حين أن المجتمع الإسرائيلي لا يملك حصانة داخل مكوناته، وفي جلسة الاختتام نفسها قدم الجنرال المتقاعد عاموس غيلعاد رئيس القسم السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية سابقاً وأحد المشاركين في إدارة مركز أبحاث هيرتسيليا، استخلاصاته من الموضوعات التي تحدثت فيها شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية وأجنبية، وأقر أن جبهة الشمال الممتدة بين منطقة جبهة حدود الجولان وجنوب لبنان لا تزال تشكل مع الدعم الإيراني لها أخطر تهديد على مصير ومستقبل وجود إسرائيل، وكشف في استنتاجه أن الدول العربية المتحالفة مع واشنطن تخاف من المشاركة في أي حرب ضد إيران على الرغم من أنها تعادي إيران وأن إسرائيل لم تحقق نجاحاً في توظيف هذه الدول للمشاركة في حرب كهذه.
كما ذكر عدداً من العوامل التي تجعله قلقاً من الوضع الحساس في الأردن بسبب عدم وجود تطبيع أو تشجيع على التطبيع، وأن الوضع مع مصر لا يمكن أن تعده إسرائيل طبيعياً بسبب عدم وجود التطبيع وكأنه وضع اللاسلم واللاحرب، وهو الذي كان يسود في مراحل كثيرة بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
وحذر من استمرار وجود السياسة الإيرانية التي تنتهج عداءً علنياً متشدداً ضد إسرائيل واعترف بأن هذا العداء المتشدد ضد وجود إسرائيل يثير خوفاً داخل المجتمع الإسرائيلي لأنه يترافق مع سعي إيران لامتلاك السلاح النووي ومع الشعارات الإيرانية بتدمير إسرائيل وتصفية وجودها. ويبدو أن الجنرال غيلعاد يدرك أن أحد أسباب تزايد نسبة الهجرة المعاكسة من إسرائيل إلى أوروبا وروسيا وأميركا والتي بلغت درجات كبيرة في السنوات العشرين الماضية تعود لعدم ثقة الإسرائيليين بقدرة الجيش الإسرائيلي على حمايتهم من الناحية الأمنية، وهم يرون أن الجيش لم يستطع خلال 13 عاماً إنهاء خطر جبهة قطاع غزة المحاصرة منذ عام 2006، فما بالك بجبهة جنوب لبنان وحدود الجولان والدعم الإيراني الذي جعل تل أبيب تستدعي ضده الجيش الأميركي لشن حرب أميركية مباشرة على إيران.
ولاشك أن التناقضات التي ظهرت داخل الساحة الحزبية الإسرائيلية وإعادة الانتخابات البرلمانية ودوامة عجز أكبر حزبين عن تشكيل حكومة، تؤكد تزايد أزمات إسرائيل أكثر فأكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن