نشرت صحيفة «النيويورك تايمز» الأميركية تحقيقاً صحفياً طويلاً، عن رحلة ثلاثة علماء خبراء في الدماغ البشري، في سعيهم لإعادة الحياة للخلايا الدماغية الميتة، وذلك على امتداد تجارب امتدت لعقدين من الزمن تقريباً.
وفي النتيجة العامة نجح العلماء بإعادة إحياء الخلايا على امتداد ست ساعات تقريباً، «عبر استعادة وظيفة التمثيل الغذائي الكاملة في معظم خلايا دماغ خنزير ميت، التي أخذت الأوكسجين والجلوكوز وحولتهما إلى نواتج أيضية مثل ثاني أكسيد الكربون تعتبر ضرورية للحياة»
ورغم أهمية تلك اللحظة العلمية، تناقش الباحثون بما قد يعنيه، استعادة «الوعي» لروح متحررة من جسد ميت، إن جاز التعبير، وكتب أحدهم: «من وجهة نظرنا، هناك حاجة إلى إرشادات جديدة للدراسات التي تتضمن الحفاظ على أو استعادة أدمغة كاملة»، لأن الحيوانات المستخدمة في مثل هذا البحث يمكن أن ينتهي بها المطاف في منطقة رمادية – ليست حية تماماً، ولكن ليست ميتة بشكل كامل».
وفي مرتبة أخرى من المقال العلمي الطويل، تخيل أحد الباحثين حال خنزير التجربة، بـ«المسجون في لحظة أبدية»، هي الوقت الذي تستغرقه التجارب العلمية، التي أحد أبرز تحدياتها يتمثل في الاستمرار في منح الخلايا الدماغية الحياة، ما يعني إطالة تلك اللحظة لدماغ الميت، والتي بالنسبة للباحث يمكن أن تكون لحظة ذبحه في المسلخ، بحيث يعيد الدماغ إنتاجها طوال مدة وجوده حيا في المختبر».
من ناحية أخرى فإن، أبرز الأسئلة التي فرضتها الاكتشافات الأخيرة، كانت نظرية، وإن شكلت تمهيدا تقليديا كما في كل التجارب، للنهايات العملية، التي في هذا القطاع تثير أسئلة أخلاقية ودينية كبرى، فوفقاً لأحد الباحثين الرئيسيين فإن ما هو مخيف أنه «إذا أخذ شخص ما هذه التكنولوجيا، وطورها بشكل أفضل نحو استعادة نشاط الدماغ تماما، فإن هذا قد يعني استعادة وعي إنسان ميت.. ولو نظرياً».
هذه الفكرة تداولها خيال الكتاب مؤخراً في سلسلة أعمال درامية شهيرة اسمها «المرآة السوداء»، وفي حلقات عدة، ذهب صناع العمل في خيالهم لمستويات متقدمة عن واقعنا الحالي، من بينها البناء على الذواكر الحية بشكل أبدي، والمحبوسة في بنيات تخزين تكنولوجية شبيهة بأقراص التخزين الإلكتروني التي لدينا هذه الأيام.
وواقعيا توصل العلماء، للنظرية التمهيدية لهذا الاختراع، ولكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم كما هو حال خبراء الدماغ السابقي الذكر، في مواجهة السؤال الأخلاقي الأزلي المترتب حول الموت والأبدية، وإمكانية إبقاء الذواكر والنشاط الدماغي للأفراد منتعشاً وحياً بعد موتهم بسنوات، ولكن ضمن بنية إلكترونية لا عضوية، الأمر الذي يثير أسئلة جدلية لا تنتهي في كل القطاعات القانونية والأخلاقية والدينية والاجتماعية.
وفيما يبدو هذا أقرب للواقع في العالم الافتراضي منه في العضوي، يتذكر الباحثون في جدلهم الأخلاقي التجربة التي أعلن عنها منذ عامين عالمان أحدهما صيني والآخر إيطالي بنجاحهما بنقل رأس رجل إلى جسد رجل آخر في عملية استغرقت 18 ساعة، نجحا فيها في إعادة ربط العمود الفقري والأعصاب والأوعية الدموية بين العضوين، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة للحكومة الصينية بسبب سماحها بهذا النوع من التجارب، ولكن من دون أن يعني ذلك أن سعي الإنسان المتطور لتحدي عجزه في دوامته القدرية التي تختم بالموت سينتهي أو سيتوقف عند حد.