ثقافة وفن

مختارات تراثية في الطفل والعلم والتعليم

| د. راتب سكر

المهتمون بنقل نصوص المعارف المختلفة على مدارج التاريخ والثقافة والحياة، يلاحظون ضرورة تلخيصها منهجا مناسبا لغاياتهم المعرفية والعلمية، وقد تجلى وعي تلك الضرورة بظواهر اعتمدت مناهج متنوعة، منها منهج المختارات والحذف، الذي تبنته غير إدارة من إدارات منشورات الكتب، ولاسيما كتب التراث العربي، في وزارة الثقافة في سورية، زمنا طويلا، فأصدرت تحت عنوان «المختار من التراث العربي» عشرات الكتب التي لخصها أدباء وباحثون يشهد لمعظمهم بسعة الاطلاع والثقافة الموسوعية.
من الأمثلة المفيدة في التعبير عن هذه الظاهرة، وما يتصل بها من مناهج مؤلفات التراث العربي باختيارات ومختارات مناسبة، في كتب صدرت عن وزارة الثقافة في دمشق، أنجزه الأديب بيان الصفدي، عنوانه: «مختارات تراثية في الطفل والعلم والتعليم»، اختار الصفدي صفحاتها ومفرداتها من اثني عشَرَ كتاباً من أمّهات كتب التراث العربي، المعنية بقضايا الطفل والعلم والتعليم، وما يتصل بها: صحياً واجتماعياً وثقافياً.
1- اعتمد الباحث على منهجي الحذف والاختيار في تخليص ما يتصل بموضوعات كتابه، من اثني عشر كتابا تراثيا مهما في مضمارها وأبوابها. فقد حذف من تلك الكتب الموضوعات التي لا تملك صلات جوهرية بموضوعات كتابه، واختار ما اتصل بها اتصالا جوهريا، فقدم بذينك الحذف والاختيار تلخيصه لمواقف اثني عشر باحثا ومفكرا من قضايا تتصل بموضوعات الطفل والعلم والتعليم.
2- لم تكن اختياراته من اثني عشر كتابا تراثياً متساوية، إذ جاءت متفاوتة تفاوتا متأثرا بما رآه الباحث الصفدي أقرب إلى جوهر موضوع اهتمامه في كتابه، ومن الراجح أن مواقفه المسبقة من مؤلفي الكتب التي اختار منها موضوعات كتابه، قد أثّرت في حجوم اختياراته.
3- على الرغم من موضوعية هذا الباحث المعهودة في شغله الأدبي والثقافي، يلاحظ متتبع ما تضمنه كتابه تنوع الأسس التي يفترض أنها أثرت في اختياراته: حجما ونوعا وموضوعا، تلك الأسس المتصلة بمراعاة الذوق الاجتماعي العام، وما يتصل به من معتقد.
4- اختار موضوعات من اثني عشر كتاباً تراثياً، يمكن الوقوف على اختياراته من ثلاثة كتب منها أنموذجا، تبين سمات منهج عمله، للوقوف على هذه التجربة في إعداد الكتب بمنهجي الحذف والاختيار، وصولا إلى تخليص موضوعات محددة، من كتب تحتوي موضوعات متنوعة واسعة، تخليص يحقق تلخيصا، مذكراً بعنوان رفاعة رافع الطهطاوي «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»:
الكتاب الأول: «سياسة الصبيان وتدبيرهم». تأليف الطبيب أحمد القيرواني المعروف بابن الجزار، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، صادر عن مطبعة المنار في تونس، عام 1968.
هو كتاب في طب الأطفال، لابن الجزار (285- 369هـ)، (898-979م) تضمنت مقدمته نظرات نفسية وتربوية، اقتطف منها مختارا ثلاث صفحات فقط، وجد بها الصفدي مواءمة لجوهر موضوع كتابه العام وغاياته المعرفية، وردت من الصفحة الخامسة والسبعين إلى الصفحة الثامنة والسبعين منه.
الكتاب الثاني: «أيها الولد». تأليف أبي حامد الغزالي. صادر عن دار العودة، في حماة، من دون ذكر تاريخ النشر.
جاء الاختيار من كتاب الغزالي (450-505هـ)، (1058- 1111م) هذا، مشتملاً صفحات متفرقة منه، بما يناسب غرض الكتاب الجديد «مختارات تراثية في الطفل والعلم والتعليم» وغاياته المعرفية، بالغة في ورودها فيه اثنتي عشْرةَ صفحة، وردت من الصفحة السابعة والثمانين بعد المئتين إلى الصفحة التاسعة والتسعين بعد المئتين.
الكتاب الثالث: «مقدمة ابن خلدون». تأليف ابن خلدون. صادر عن دار الكتب العلمية، في بيروت، عام 2000م.
جاء معظم الاختيار من نهاية كتاب ابن خلدون (732- 808هـ)، (1332- 1406م)، مع صفحات متفرقة، بما يناسب غرض الكتاب الجديد «مختارات تراثية في الطفل والعلم والتعليم» وغاياته المعرفية، وقد ورد الاختيار في ست وأربعين صفحة من الكتاب الجديد «مختارات تراثية في الطفل والعلم والتعليم»، بما يوائم غاياته المعرفية. وردت من الصفحة الخامسة والثلاثين بعد الأربعمئة إلى الصفحة الحادية والثمانين بعد الأربعمئة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن