قبل أكثر من مئة عام أعطى علماء النفس تعريفاً بسيطاً للسّادية بالقول: «إنها عدم قدرة الأشخاص على الوصول إلى المتعة من دون إيلام الآخر». تعريف فتح الأفق واسعاً نحو التعاطي مع الخلل النفسي الذي يعيشه الساديون ووضع كل منهم في خانته المبنية على فكرة أشمل في الحياة تتعدى هذا الجانب البسيط: متعتك بعذاب الآخرين.
واقعياً تبدو هذه الأنواع من المتع أحطّ أنواعها، لأنها تحول الإنسان إلى وحش بهيئة البشر يتصيد الأوجاع، فيكتب بدماء الأبرياء قصص نشوته الملعونة، ولو دققنا بحجم ما يحدث من حولنا من كوارث في هذا العالم المجنون لوجدنا أن إحدى تجليات الانحطاط في تلك المتع هي السادية المبنية على أوجاع الوطن.
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على سورية، استشهد وجُرح عدد من المدنيين بينهم أطفال، وبالكاد انتشر الخبر حتى بدأ كثر من حاملي الجنسية السورية بصبّ جام حقدهم على بلدهم.
اللافت أن هذا الحقد لم يتجل فقط كما العادة بتكبيرات تُسمع من مآذن الجوامع في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، أو بمباركة اعتدنا سماعها عندما يعلن الإرهابيون تنفيذ عملية ما ضد الأحياء السكنية الآمنة، ولا حتى بتبرع الكثير من الصفحات الوهمية العامة والشخصية بالتهليل للكيان الصهيوني، اللافت هذه المرة أن جلّ الحقد خرج في العالم الأزرق عبر شخصيات معروفة تُقدم نفسها كمعارضة سورية مدنية تعمل في الفن والكتابة والصحافة وغيره اتفقوا على نقطة واحدة، هي السخرية من دماء المدنيين الذين ارتقوا وجرحوا بما فيهم الأطفال على يد الكيان الصهيوني!
أعترف أنني على المستوى الشخصي كنتُ وما أزال من أشدّ المدافعين عن فكرة المصالحات التي تبنتها القيادة السورية للراغبين في العودة إلى حضن الوطن، لأن أي حقن للدماء هو في النهاية لمصلحتنا جميعاً. القضية هنا مرتبطة بمستويات عديدة لا تتعلق فقط بمقولة الرئيس بشار الأسد: (إما نُهزم معاً أو ننتصر معاً)، لكنها مرتبطة بذاك الإنسان البسيط الذي تعرض للتضليل والتحريض، والأهم من كل ذلك وجوده تحت نير الإرهاب وقادته، لكن يبقى السؤال المطروح ماذا عن مدعي «التنور والمعرفة»، هل حقاً أن حضن الوطن قادر أن يجمعنا يوماً ما بهم؟
لم يخطئ يوماً من قال إن المثقفين هم أشد الناس قابلية للخيانة لأنهم قادرون بأي وقت على تسويغها، فتأثير تلك الإمّعات المسماة نخباً أكبر بكثير من تأثير أولئك الذين يقاتلون في صفوف الخلايا الإرهابية والمتطرفة، على الأقل من مبدأ أن لا مساواة للعقاب بين خطأ العالم وخطأ العارف.
ببساطة قد تطرح رأيك كمعارض ضد ما تسميه «نظام» وتستطيع أن تختلف معهُ على الكثير، لكن ما مشكلتكم مع مدنيين بينهم أطفال ارتقوا بعدوان إسرائيلي، هل تكون كل هذه الدونية مردّها أن ما جرى يُخلخل نظريتكم الإبداعية «النظام حليف لإسرائيل؟».
ربما تستطيع الدولة بما يتيح لها الدستور والقوانين إعلان عفو عام عن الذين حملوا السلاح بوجهها ودمروا وخربوا بلدهم هذا أمر يعنيها، لكن هناك من هو أخطر لأنه ببساطة لم يحمل سلاحاً، هؤلاء لا نفع معهم إلا بوجود دعاوى شخصية فالحق الشخصي لا يسقط، تحديداً إننا مقبلون يوماً ما على حلّ سياسي يعيدهم مواطنين سوريين بحقوق كاملة، كيف لمواطن بحق كامل أن يشمت بطفل قتلته «إسرائيل»، هذه ليست معارضة ولا وجهة نظر، هذه باختصار تجسيد للمقولة:
أن تشعر بالحسد هو أمر إنساني، أما أن تستمتع بالشماتة فهو أمر شيطاني، وهل من شياطين أقذر من تلك الإمعات التي تعتاش على الشماتة بأوجاع الوطن!ربما هناك من يساويها بالقذارة، من الذين ما زالوا مقتنعين بأن الحياد في المعارك الوطنية.. موقف!