ثقافة وفن

من يحاور من؟

| إسماعيل مروة

يدور الحديث عن الحوار في كل مكان وموقع، فهذا يريد الحوار، وذاك يدعو إلى الحوار، وفي كل مرة لا يتم الحوار، وإن تمّ فإنه يخفق ولا يصل إلى نتيجة! ويبقى كل واحد في مكانه متمترساً، ويتغنى بأنه لم يتحرك عن قناعاته قيد أنملة! وبأن الآخر انصاع وغادر قاعة الحوار! وبأنه انتصر انتصاراً مذهلاً! والذي غادر يدّعي أنه توقف عن الحوار لأنه غير مجدٍ، ولأنه حوار عقيم! ومع ذلك نجد دعوة تالية للحوار سواء كان هذا الحوار دينياً أو فكرياً أم اجتماعياً أو ثقافياً..
من يحاور من؟ سؤال مهم عند إطلاق منصة أي حوار بين طرفين، فلا يجوز الحوار بين المصالح المتضاربة في المطلق، لأن المصالح هي التي تحكم الحوار، ولا مكان للمنطق في مثل هذا الحوار، وهذا الأمر ينطبق على الحوار الديني الذي لم يخرج بأي نتيجة عبر الزمن المتطاول، وكل ما خرج به هو المزيد من الفرقة والشروخ، وخاصة بعد انتشار وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وكل وسيلة من هذه الوسائل لها ممولوها وغاياتها وأهدافها، فهي دكاكين مصالح ومنافع، ومع انتشارها المَرَضي ازدادت الفروق بالتضخيم، وارتفعت نسبة الجهل والعداء بين كل جانب، وليس على صعيد الشرائع الثلاث الرئيسية، بل على مستوى المذاهب والطوائف الفرعية، بل بين الجماعات في المذهب الواحد أو الطائفة الواحدة، ولم يتنبه الأتباع إلى أن المصالح هي التي تحكم وليس الفكر!
وهذا الأمر ينطبق على الحوار السياسي عندما يجتمع متحاورون من أجل أمر سياسي ما، وكل جانب من الجوانب يريد الزعامة لنفسه، ويريد المصالح له، ولننظر في واقعنا العربي حيث يجتمع متحاورون لأيام وأسابيع وربما سنوات، ولا يخرجون بنتيجة والسبب أن الحوار لا يحمل غاية المصلحة العليا، بل هو مصالح متعددة يراد لها أن تدمر البلدان، ولا بأس في ذلك عند المتحاورين، المهم عندهم أن يتقاسموا المصالح، وأن يبرهن للآخرين أنه مختلف، ولو أثبتت الأيام خطأه فإنه يفلسفه. فمن يحاور من؟
وهذا الأمر ينطبق على الأمور الاجتماعية، فهذا يتحدث ويحاور بالبنية الاجتماعية، وفي المرأة والطفولة، والأمراض الاجتماعية، ويكون في الحقيقة صاحب مصلحة في تدمير البنية الاجتماعية، فهو قد يغض النظر عن تجارة سوداء لأنه لا مصلحة له فيها، ويبحث في الرقيق والطفولة أو العكس، لأنه ينطلق من مصالحه، ولا يضع خريطة للوطن وبنيته الاجتماعية التي تحتاج إلى تشريح ومعالجة!
لذلك نجد أن أوطاننا العربية، وبمؤامرة داخلية مصلحية وخارجية مصلحية أيضاً عادت إلى الوراء خلال عقود، في كل مستوى وعلى كل صعيد سياسياً واجتماعياً ودينياً، وصرنا نجد حواراً يتناول قضايا من المفترض أنها خرجت من النقاش منذ أيام الأندلس.
من يحاور من؟
عندما نجد المتحاورين في أي قضية يتحدثون عن الذات والغد والمجتمع سيحدث الخير.. وما دمنا نجد حواراً يدور حول كان ومضى ومقدس وراحلين.. فلنهنأ لأننا سنبقى في جاهلية مطبقة وخطيرة، وهي أخطر من الجاهلية الأولى، لأنها تتسلح بالإعلام والشعوذة والحضارة والسلاح.. والعهدة على الراوي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن