قضايا وآراء

ألمانيا عندما ترفض إملاءات ترامب

| د. قحطان السيوفي

الرئيس الأميركي دونالد ترامب رجل الأعمال تاجر العقارات، الشعبوي العنصري المتهور، بدأ نهجه السياسي، منذ وصوله إلى البيت الأبيض، بالهجوم على حلفائه وأعدائه، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا الدولة الأقوى اقتصادياً في أوروبا ولم يُخف ترامب رغبته قي
تفتيت الاتحاد الأوروبي، وترحيبه بانفصال بريطانيا.
المشهد الجيوسياسي الاقتصادي الدولي يُظهر حماقات إدارة ترامب تحت شعار «أميركا أولاً». الاتحاد الأوروبي المُعرض لانتقادات ترامب، منهك اقتصادياً باستثناء ألمانيا بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، تعيش ألمانيا انتعاشاً اقتصادياً في عهد ميركل، لكن موجة الهجرة غير المنضبطة أحدثت تشنجات سياسية أضعفت وهج ميركل أوروبياً.
رفضت الحكومة الألمانية طلباً أميركياً بإرسال قوات برية إلى شمال سورية، بعد يوم واحد على كشف المبعوث الأميركي إلى «التحالف الدولي»، جايمس جيفري، عن طلب رسمي من بلاده، مقدّم إلى برلين، لنشر قوات برية تستبدل جزئياً بقوات الاحتلال الأميركي لسورية.
إرسال جنود للخارج مسألة بالغة الحساسية في ألمانيا، لذا فوجئت الطبقة السياسية الألمانية بالطلب الأميركي، وأثار الطلب جدلاً داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا.
رفض تورستن شيفرـ غومبل، عضو الهيئة الرئاسية الثلاثية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك الثاني في الائتلاف الحاكم في برلين ما طلبه الممثل الأميركي الخاص لسورية جيمس جيفري وقال «لن نوافق على إرسال قوات برية ألمانية إلى سورية». على حين دعا المستشار الألماني السابق الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر إلى عدم السماح بتحويل ألمانيا لتابعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مضيفاً: لسنا جمهورية موز هنا. بعد يوم من محادثات ترامب والمستشارة الألمانية ميركل في البيت الأبيض، قال الرئيس الأميركي إن برلين «يجب أن تدفع للولايات المتحدة المزيد مقابل الدفاع القوي والمكلف جداً الذي يتم توفيره لألمانيا وأكدت ميركل خلال الاجتماع، الذي وصفه مراقبون بأنه اتسم بالفتور، أن ألمانيا ملتزمة بالوفاء بما حدده الناتو لأعضائه بشأن نفقات الدفاع وهي 2 بالمئة من الناتج القومي. انتقد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سياسة الهجرة في ألمانيا والدول الأوروبية، معتبرا أن سماحهم لملايين الناس باللجوء إليها «خطأ كبير». واصفاً المهاجرين بـ«البلطجية» وكان الرئيس الأميركي أدلى، بتصريحات هجومية ضد حلفائه، ولاسيما ألمانيا متهما إياها بأنها «رهينة» روسيا في إمدادات الطاقة. وذلك بعد ساعات قليلة من لقائه بميركل، في مقر حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وتساءل عما سيجنيه الحلف إذا دفعت برلين مليارات الدولارات لروسيا مقابل الغاز والطاقة. وقال «ألمانيا تثري روسيا» مضيفاً «إنها تدفع مليارات الدولارات لروسيا لإمداداتها للطاقة وعلينا أن ندفع من أجل حمايتها في مواجهة روسيا. كيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ هذا ليس عادلا» ويشير ترامب في كلامه إلى مشروع خط أنابيب «نورد ستريم 2» الذي سيضاعف كمية الغاز الطبيعي الذي يمكن لروسيا أن ترسله مباشرة إلى ألمانيا، وهدد بإيقاف المشروع الذي تبلغ قيمته 9.5 مليارات يورو، وفرض عقوبات لتحقيق ذلك الهدف.
عملياً الولايات المتحدة تحاول الترويج لصادرات من الغاز الصخري المسال، سابقاً جاء رد ميركل، على تصريحات ترامب التي قال فيها إن ألمانيا «رهينة» لروسيا، واضحاً وحازماً: «إن ألمانيا تتخذ قراراتها بشكل مستقل، ويمكننا بالتالي اعتماد سياساتنا الخاصة». وأضافت ميركل إن أوروبا لم يعد بوسعها «الاعتماد كليا» على الولايات المتحدة وبريطانيا بعد انتخاب دونالد ترامب وتصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
فرض ترامب رسوم جمركية جديدة على السيارات الألمانية، كان التهديد الأحدث في سلسلة من الضربات واللكمات التي تحملتها ألمانيا، وقوبل رفض ترامب للاتفاق النووي الإيراني وقراره بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، بالذعر في برلين، وازداد الوضع سوءاً مع إخفاق الاتحاد الأوروبي في ضمان استثنائه من التعرفة الجمركية التي حددها ترامب للفولاذ والألومنيوم. أقرت المستشارة ميركل بالتحدي الإستراتيجي الذي يطرحه ترامب في مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي، فدعت ألمانيا أوروبا إلى «وضع مصيرها بين يديها» وأضافت: «على أوروبا أن تتحمل مسؤولية الدفاع، بالمقابل حث بعضهم ميركل على وضع القفازات وقيادة هجوم مضاد أوروبي مشترك، لقد حان الوقت لأوروبا للانضمام إلى المقاومة»، كما جاء في عنوان مقال افتتاحي في مجلة «دير شبيغل» انتقد ترامب سياسات المستشارة الألمانية ووصفها بأنها «مجنونة».
ميركل بدورها انتقدت ترامب كشريك غير موثوق به تنصّل من القيادة العالمية لمصلحة قومية أميركا أولاً، ليترك أوروبا تبذل المزيد من الجهد لحماية أمنها، قال جيمس ستافريديس، قائد سابق في حلف الناتو: «الانتقادات التي يوجهها الرئيس ترامب لحلفائه هي تعبير عن كراهية شخصية تجاه كثير من القادة الأوروبيين، على مدى أكثر من ستة عقود كانت الولايات المتحدة الأميركية المُشجّعة، والضامنة، للتكامل الأوروبي، الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُريد قلب السياسة رأسا على عقب ويرى في خروج بريطانيا بداية انهيار للمشروع الأوروبي، في عصر ترامب لم يعد من الممكن لألمانيا الاعتماد على الولايات المتحدة، بل على العكس، ترامب يعبر علنا عن احتقاره لميركل، ترامب ليس لديه حس تاريخي تجاه الحلفاء، ذلك أنه لم يقرأ ولم يعرف وإنما قفز بالمال إلى عصر التكنولوجيا الرقمية، الرفض الألماني لمطالب ترامب واضح جداً، لن يتمكن الرئيس الأميركي من إقناع أو إجبار ألمانيا على إرسال قوات احتلال برية إلى سورية، لكنه ربما يعود أدراجه نحو حلفائه العملاء دول الخليج كما جرت العادة للاستعانة بهم لإرسال قوات احتلال عسكرية إلى سورية. الرئيس ترامب، الذي يطلب من المستشارة ميركل القيام بدور عسكري في الشرق الأوسط، واجهته ألمانيا بالرفض. هذا الرفض الألماني سيغضب ترامب الذي يريد إقحام أوروبا في الصراع العسكري بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة العدوان على سورية وهو أمر رفضته ألمانيا».
المشهد يشير أنه يجب على الرايخ الألماني بذل الكثير من الجهد بالتشارك مع دول أوروبا العجوز للدفاع عن نفسها ضد نزوة ترامب وهجومه الحمائي العدواني، ختاما، اختارت ألمانيا المواجهة مع ترامب وسياساته التي يصفها البعض بأنها صبيانية. ألمانيا استطاعت أن ترفض العديد من مطالب وإملاءات ترامب آخرها كان الصفعة التي تمثلت برفض إرسال قوات احتلال عسكرية للمساهمة في العدوان على سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن