قضايا وآراء

تركيا وصفقة «إس400»

| مازن جبور

منظومة الدفاع الجوي الصاروخية «إس 400» التي أعلنت أنقرة تسلم دفعة منها مؤخراً، كانت قد منحت النظام التركي الحالي رمقاً جديداً للعودة إلى الظهور على ساحة الأحداث في المنطقة والعالم لفترة محدودة، وثبت الدور الروسي الجديد في اللعبة السياسة العالمية كند للولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه لن يمر بشكل طبيعي، إذ يبدو أنه سيرفع من حدة رتم التنافس مجدداً بين القوى الرئيسة الفاعلة في المنطقة، ولا بد أنه سيكون له منعكسات على الملف السوري، وهذا يجعل، من المهم مرحلياً، تكريس الجهد اللازم، ما يجعل من مؤشرات الصفقة الروسية التركية الإيجابية على صعيد دور الحليف الروسي المتصاعد في السياسية الدولية تنعكس بالإيجابية ذاتها على الوضع السوري.
أحد المبادئ البسيطة في تعريف الدبلوماسية يقول إنها: تقطيع تفاحة إلى ثلاث قطع متساوية بالحجم تماماً وإعطاؤها لثلاثة أشخاص مع إقناع كل منهم بأنه حصل على الحصة الأكبر، وهذا يمكن قراءته مبدئياً من تعاطي النظام التركي مع صفقة «إس400» بين روسيا وتركيا.
فالنظام التركي المهزوم داخلياً في الانتخابات البلدية كان كل همه العودة إلى الظهور أمام الشعب التركي بمظهر القوي في السياسية الدولية، وأنه حصل على القطعة الأكبر من التفاحة، وفي الوقت ذاته يدرك أن إتمام الصفقة سيستفز أميركا إلى الحدود القصوى فعاد ليؤكد لها عبر وزير الدفاع خلوصي أكار بأن المنظومة قد لا توضع في وضعية التشغيل حالياً كما أنها لا تؤثر في إمكانية شراء منظومة باتريوت الأميركية، أما روسياً فإتمام الصفقة يعني رفع أسهمها في التنافس الأميركي الروسي على النفوذ في الشرق الأوسط.
لا تخرج صفقة «إس400» عن المأزوم في المنطقة عموماً وفي الملف السوري خصوصاً، وهي بين القوى الرئيسة الثلاث المتنافسة والتي لها قوات سواء بشكل شرعي، مثل روسيا، أم غير شرعي كأميركا وتركيا، كما أنها لا تخرج من إطار تذبذب الموقف التركي طوال السنوات الماضية من الانزياح تارة باتجاه روسيا وتارة أخرى باتجاه الولايات المتحدة بخصوص الملف السوري، وهو ما وضع واشنطن وموسكو في حالة تنافسية دائمة على استقطاب التركي، حالة التنافس هذه لا يمكن قراءتها من زاوية واحدة فقط على اعتبارها باتت انزياحاً كلياً تركياً باتجاه روسيا مع بدء تطبيق صفقة «إس400»، وإنما يجب النظر إليها من باب عودة صعود أسهم أنقرة في المنافسة الروسية الأميركية في الشرق الأوسط، بعد أن تراجعت مؤخراً مع العملية العسكرية للجيش العربي السوري والحليف الروسي شمال البلاد وتأكيد ضرورة القضاء على تلك البؤرة الإرهابية.
بالترافق مع ذلك هبط مستوى الحديث الأميركي سواء عن منبج أم عن ما يسمى «المنطقة الآمنة» شمال البلاد، ذلك الحديث الذي يثير لعاب رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، مع الدعم الأميركي الغربي العربي المتصاعد أخيراً للكرد شرق البلاد، ولا بد هنا من التأكيد على الخليجي الذي يعتبر المنافس لتركيا «الإخوانية» في شمال شرق البلاد.
من خلال العرض السابق يمكننا فهم النقاط التالية:
أولاً: إن الاتصال السريع من وزير دفاع النظام التركي خلوصي أكار مع القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، ورميه بورقة تفاوضية في وجهه إذ أسمعه أن جيش الاحتلال التركي هو الأقدر على ضبط «الآمنة»، الأمر الذي لقي آذاناً صاغية لدى الأميركي، فأخبره بأن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» سترسل وفداً عسكرياً إلى أنقرة على وجه السرعة لبحث «الآمنة»، وبهذا يضمن الأميركي إطالة أمد تنفيذ كامل صفقة «إس400» قليلاً، ومن ثم فرصة إضافية للعب فيها، أو على الأقل تطويق أردوغان الذي بات غير موثوق به من حلف شمال الأطلسي «الناتو» وهو ما قد يعجل من رحيله من النظام السياسي في تركيا.
ثانياً: لقد أكدت واشنطن مجدداً للكرد أنهم ليسوا سوى ورقة تفاوضية بيدها، ومجريات تطور الأوضاع لا بد أنها ستظهر قبولاً أميركياً للتخلي عن الكرد أدواتهم في المنطقة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يتطلب من الكرد إعادة النظر بدورهم وإعادة تقييم مصالحهم الحقيقية على اعتبارهم جزءاً أساسياً من الدولة السورية.
ثالثاً: تبقى روسيا المستفيد الأكبر من الصفقة لكونها دخلت وبقوة على خط تسليح الجيش التركي وهو ما سيرفع من أسهمها في عالم صناعة الأسلحة في المنطقة، فضلاً عن أنها ستحصل على مستحقاتها المالية في المرحلة الحالية وهو أمر مهم للاقتصاد الروسي، كذلك فإن اشتراكها في العملية العسكرية لاستئصال الإرهاب شمال البلاد قائم ومستمر، وقد تعاود تصعيده في الأيام القليلة القادمة مع أي خلل يبديه الطرف التركي، ما يعني بلغة عامية أن «الرقبة التركية باتت في الوقت الراهن باليد الروسية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن