من دفتر الوطن

أنقذوا الزعتر البري

| حسن م. يوسف

أعلم أن عنوان هذا المقال سوف يفتح شهية بعض القراء للتهكم. فمن العبث عندما يقوم الفاشيون بتدمير حياة أسر سورية بكاملها، أن نتحدث عن الاقتلاع الجائر للنباتات النبيلة، وعلى رأسها الزعتر، وتدمير الغطاء النباتي لوطننا السوري.
لهذا ترددت كثيراً قبل تناول هذا الموضوع الذي بات مقلقاً بالنسبة لي، رغم أنه قد يبدو تافهاً لكثيرين.
ما يجعل هذا الموضوع ملحاً بالنسبة لي، هو أنني لاحظت مؤخراً خلال تجوالي في البراري، تزايد عدد النسوة والأولاد الذين يجمعون الزعتر البري لبيعه بالكيلو لتجار حلب، وهذه الظاهرة تتصل من دون شك بازدياد الفقر وارتفاع الأسعار، وكثرة من يبحثون عن دخل حلال يؤمن لهم لقمتهم ويحفظ لهم كرامتهم بعد أن انتزعت الحرب منهم أكثر من تسعة أعشار دخلهم.
تعلمون أن إخوتنا الحلبيين المهرة قد حولوا الزعتر البري إلى «إدام» فريد بعد أن دعموه بخلطة مدروسة من الكزبرة، والكمون، والسماق، وحب البطم، وفستق العبيد، وبذور البطيخ، وبذور الجبس، وقد نجح الحلبيون في خلطتهم هذه، حتى طبقت شهرة الزعتر الحلبي الآفاق. واليوم يمكننا القول، من دون تردد أن أكلة «زعتر وزيت» هي القاسم المشترك الأعظم بين كل البيوت السورية الفقيرة منها والغنية، سواء في المدن أم في المناطق الريفية.
وسر المكانة المتميزة التي يحتلها الزعتر في الحياة اليومية للسوريين، هو أنه فريد في فوائده التي لا تكاد تحصى. فهو يمتاز بقيمة غذائية عالية، كما تستخلص منه زيوت ومواد لصناعة بعض العقاقير.
يندرج الزعتر البري ضمن الأعشاب والتوابل الفاتحة للشهية فهو يضاف لبعض الأطعمة لإكسابها نكهة مميزة، كما يضاف للفطائر والمعجنات ومختلف أنواع اللحوم. وقد كان المعالجون قديما يستخدمون زيت الزعتر لمكافحة الفطريات والبكتيريا قبل أن يكتشف العلم الحديث المضادات الحيوية.
يحتوي الزعتر البري على عدد من الفيتامينات كما يحتوي على الحديد والمنغنيز والكالسيوم، ويتميز شراب الزعتر البري، عندما يحضر كالشاي، بغناه بمادة الثيمول العطرية المزيلة لرائحة الفم الكريهة، والمضادة للأكسدة، إذ تسهم في زيادة أحماض أوميغا ثري الدهنية في خلايا الدماغ. كما تساعد على تنشيط جهاز الهضم وتخليصه من أنواع البكتيريا والجراثيم الضارة.
وتفيد الأنباء أن دراسة أجريت في البرتغال أثبتت أن خلاصة الزعتر البري تلعب دوراً إيجابياً ومؤثراً في الوقاية من سرطان القولون، وأفادت تجربة أخرى أن مستخلصات الزعتر البري «لها تأثير شفائي فعال في مكافحة خلايا سرطان الثدي».
وعندما جمعت المزايا المنسوبة إلى الزعتر البري، أذهلتني بتعددها، فهو يضبط ضغط الدم، ويعالج السعال، وحب الشباب، والروماتيزم، واضطرابات الجهاز الهضمي، والأكزيما، ونزلات البرد، ويطهر الجروح والالتهابات، ويخفف آلام الدورة الشهرية، ويقوى عضلة القلب ويحافظ على الصمامات وصحة الشرايين، ويزيد القدرة على التركيز، ويعالج التهابات الجيوب الأنفية، وهو مضاد قوي للجراثيم والبكتيريا وقاتل للديدان الشريطية، وطارد للسموم، كما يزيل الهالات السوداء حول العينين ويطرد الحشرات من المنزل… إلخ.
ما يقلقني حقاً هو أن تكون هذه النبتة البرية النبيلة في طريقها إلى الانقراض! صحيح أن الزعتر البري نبتة قوية وراسخة في هذه الأرض رسوخ الإنسان السوري، لكن المخيف حقاً هو أن كثيرين ممن يجمعون الزعتر البري، في هذه الأيام، يقومون باقتلاعه من جذوره بشكل جائر، قبل أن يرمي بذوره، ما يهدد هذه النبتة المدهشة بالانقراض.
كلي أمل أن يكون هذا المقال بداية حملة وطنية لإنقاذ الزعتر البري!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن