قضايا وآراء

سورية في المشهد الإقليمي

| مازن بلال

منذ تسع سنوات والمشهد الإقليمي يتأرجح بين إمكانيات المواجهة والقدرة الدولية على ضبط التوازنات القلقة، وعشية توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 ظهر توازن مختلف، لكنه لم يتمكن من ضبط الصراعات من اليمن وصولاً إلى سورية، فالإرباك في شرقي المتوسط لا يرتبط فقط بالنفوذ الإيراني، ولم يعد مقتصراً على الآليات النمطية سواء في خلق التوترات أم التحكم بها، فتعدد عوامل الاضطراب مؤشر على انهيار النظام الإقليمي عموماً.
ما حدث بعد تجاوز عقبة مشروع إيران النووي هو فتح مجال لرسم تكتلات إقليمية جديدة، فظهر التعاون ما بين أنقرة وطهران وموسكو، في المقابل فإن الولايات المتحدة سعت لتشكيل قوى مختلفة على هامش الصراع في اليمن، ورسمت هذه التحالفات خطوط مواجهة جديدة يصعب معها الوصول إلى تفاهمات دولية عميقة، ويبدو النموذج السوري وسط هذا المشهد أساسياً لقراءة بنية الصراعات التي يتم تأسيسها.
عملياً فإن الشكل العام لإثارة النزاعات لم يتغير، ففي الوقت الذي يتم فيه تحييد «العامل الإسرائيلي» من المشهد العام، فإن محور التوتر بقي مرتكزاً إلى هذا العامل الذي يبدو جوهرياً، و«صفقة القرن» تؤكد التفكير ببناء إستراتيجيات دولية لشرقي المتوسط لا بد أن تمر بالمسألة الفلسطينية، ويبدو أن تفكيك عوامل الصراع في المنطقة يولد بشكل دائم توترات جديدة، حيث تبقى المعضلات الأساسية مثل الموضوع الفلسطيني حاضرة مهما تغيرت المواضيع وأسباب النزاع.
خط التوتر اليوم من الخليج باتجاه شرقي المتوسط لا يعبر عن قوس أزمات جديد، إلا أنه يشكل احتمالات مستجدة بعد انهيار المنظومات الإقليمية وعلى الأخص «الجامعة العربية»، وعلى هامش هذا «القوس» تنتشر قوات دولية بشكل غير مسبوق يقارب ما حدث عشية الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومهما كانت رمزية هذه القوات فإنها تحدد جبهات وخطوطاً حمراً من الخليج وصولاً إلى الشمال السوري.
السؤال المطروح وسط هذا المشهد هل هناك احتمالات مواجهة كبرى؟ وفي المقابل هل هناك مصالح دولية تستدعي مثل هذه المواجهة؟ احتمالات الحرب تبقى متوافرة، ولكننا أمام قراءة مختلفة، فعبر خلق التوترات وعلى الأخص في سورية وعلى خط حدودها مع كل من العراق وتركيا؛ فإن المشهد الإقليمي المتوتر يبدو ضرورياً لمعظم الأطراف، فعلى هذه الحدود سيتم الاتفاق على طبيعة النفوذ البري لكل القوى، وفي المقابل على نوعية الدور السوري إقليمياً بعد حرب لا تزال مستمرة، فأمن الممرات المائية الذي يحتل صدارة التصريحات الأميركية، يقابله صراع على البر وعلى شكل شبكات التجارة من الشرق باتجاه الغرب.
هذا الصراع الذي ظهر مع ما عرف بدول «طريق الحرير» يأخذ منحى «تفضيلياً» اليوم، فالممرات البحرية التي أتاحت ظهور قوى جديدة يقابلها اليوم صعود التواصل البري كأساس لعودة القوة البرية مثل روسيا والصين، وأزمة المواجهة فوق سورية هي إغلاق لمجالات القوى المتفوقة برياً، والجغرافيا السورية لا ترسم حدود هذه القوى بل تدفعها لتعطيل الأدوار الإقليمية بحثاً عن توازن جديد قبل إزاحة جبهات النزاع في سورية والعراق وحتى في لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن