صراع الأديان الأزلي يخسره دوما غير المتدينين، في لغة أخرى، لا يمتلك العلماني أو الملحد أسلحة هجومية تكتسح التوجهات الروحانية، ولا حصوناً تدافع عن مكتسباته عبر قرون من الجدل العقائدي والمقارعات، والتضحيات، في كل المسارات التاريخية، وهو على نقيض الأديان، لا يعد بالأبدية الساحرة بعد الموت.
لكن السلاح الأهم في هذه المقارعة العلمانية الدينية، والمنافسة بين الأديان ذاتها، وفقا لما يبينه مركز بيو البحثي، هو الإنجاب.
قدرة كل فئة على التكاثر هي التي تحدد من سيقرر شكل العالم، وبنيته التشريعية والاجتماعية مستقبلاً.
يعود الإنسان إذاً بكل بساطة لنواة وجوده المتمثلة في إيجاد خلف.
وبقدر ما توجد الشرائع والثقافات مبررات لكثرة الخلف، من شبيهات يأتي الولد ورزقته معه، وانشروهم في الأرض وابتهلوا، وادعوا لهم ببذرة كثيفة، مستندة لبنية المجتمعات الإقطاعية والزراعية حينها، بقدر ما يعني هذا تكراراً للدوران الدائم في فلك بحث المجتمعات عن موارد استمرارها بالعيش، أي بعبارة أخرى، إهمال أغلب ما راكمته التجارب الرأسمالية والاشتراكية وما بينها في سعيها لإيجاد مجتمعات قادرة على حفظ استقرارها الاقتصادي والاجتماعي.
وبالعودة للدراسة، التي نشرتها وسائل إعلامية منذ أسابيع، فإن «المسيحية كانت هي أكثر الأديان انتشاراً في الألفية الماضية، إلا أن المسلمين هم أكبر الجماعات الدينية نمواً حيث يتزايدون بمعدل ضعف الزيادة السكانية في العالم»، وتضيف إنه «على حين قد يزيد عدد السكان في العالم خلال عقود قليلة بنحو 32 بالمئة فإنه من المتوقع أن يصل معدل زيادة عدد المسلمين إلى نحو 70 بالمئة ليرتفع عددهم من 1.8 مليار مسلم عام 2015 إلى 3 مليار مسلم عام 2060، وبالتالي ستمثل هذه المجموعة 31.1 بالمئة من سكان العالم في ما تمثل حالياً نحو 24.1 بالمئة.
وتبرر الدراسة ذلك بأن «معدل الخصوبة لدى المسلمين أعلى»، بسبب زواجهم المبكر، كما أن المسلمين قلما يتخلون عن دينهم كما تفعل المجموعات الدينية الأخرى.
على حين يتباين وضع المسيحية في مختلف أنحاء العالم، فرغم ارتفاع منسوب انتشارها في إفريقيا وأميركا اللاتينية، فإن معدلاتهم في تناقص في أوروبا، فبين عامي 2010 و2015 تجاوز عدد الأموات منهم عدد المواليد بنحو 6 ملايين شخص، وجاء الفرق في ألمانيا وحدها بنحو 1.4 مليون شخص.
ووفقا للدراسة المتوقع أن يتسبب تغيير الدين في تقلص عدد المسيحيين بنحو 72 مليوناً بحلول عام 2060 بينما لا يؤثر هذا العامل كثيراً في المسلمين.
والمثير أن نسبة الملحدين ستتراجع من 16 بالمئة من إجمالي عدد سكان الكرة الأرضية إلى 13 بالمئة رغم تزايد عددهم الإجمالي من 1.17 مليار في 2015 إلى 1.2 مليار في عام 2060، والتفسير أنه رغم تزايد عدد الملحدين في أوروبا والولايات المتحدة فإن حقيقة كونهم يميلون لإنجاب عدد أقل من الأطفال يساهم في تراجع عددهم.
وفي المقابل سيبلغ عدد «المؤمنين» بصفة عامة 8.1 مليارات شخص بحلول عام 2050، وهو ما يقود للاستنتاج بأن مستقبل العالم ربما يكون في متناول حكم «المؤمنين» أكثر من غيرهم.
ما قد يعني بحكم التجربة تعصباً أكبر في المجتمعات المستقبلية، وانتعاشاً لليمين السياسي والديني في كل أنحاء المعمورة.
وهو ما تظهر علاماته من الآن.