ثقافة وفن

صاحبة «قواعد العشق الأربعون» … «أليف شافاك» وأحدث رواية لها «البنت التي لا تحب اسمها»

| هبة اللـه الغلاييني

نالت الروائية (أليف شافاك) شهرتها الواسعة بعد روايتها (قواعد العشق الأربعون) التي وضحت فيها العلاقة الروحية بين العالم الصوفي (جلال الدين الرومي) و(شمس الدين التبريزي).
ثم تتابعت رواياتها… (لقيطة إسطنبول)، (شرف)، (قصر الحلوى)، (حليب أسود) وغيرها.
منذ شهر تقريبا صدرت رواية ( البنت التي لا تحب اسمها) وهي ليست بمستوى رواياتها السابقة، حيث تتبع أسلوبا أدبيا بسيطا يصلح لليافعين أكثر منه للبالغين.

(ساردونيا) هو اسم زهرة أي مثل اسم (اللوتس) و(النرجس) و(التوليب) و(البنفسج). وهو اسم بطلة الرواية التي لا تحب اسمها هذا، وتلوم دائماً والديها اللذين انتقيا لها هذا الاسم.
تبدأ الكاتبة روايتها بوصف بطلة الرواية (لم تكن قامتها طويلة ولا قصيرة، أما شعرها، فكان أصهب، ربما كانت نحيفة، إلا أنها لم تكن هزيلة، وجهها دائري، وعيناها عسليتان. كانت هذه الفتاة تهوى قراءة الكتب، وسماع الموسيقا، والرسم، واللعب بالكرة، والقفز على الحبل، إضافة إلى صنع كعكة الشوكولاتة. أما لعبتها المفضلة، التي كانت تلعبها وحدها، فهي تخيل أشكال مألوفة من الغيوم التي تزين السماء).
كان اسمها لا يعجبها، بل كانت تخجل منه. وكانت تردد على الدوام: ليت لي اسماً مختلفاً، مثل بهار، ابنة خالتها، أو مثل أسماء بنات البقال ذوات النمش في وجوههن: ليلى وسلمى وجنى… أو حتى مثل أسماء صديقاتها في المدرسة: أروى، أسماء، عائشة، بيضاء، خديجة، إسراء، مروى، زينب. ما أكثر الأسماء في هذا العالم. كلها أسماء سهلة، وكل اسم أجمل من الآخر… وعلى الرغم من ذلك، فإن أباها وأمها تركا كل هذه الأسماء، ولم يجدا إلا هذا الاسم لها. ليتهما وضعا اسما مركبا معه. لا… حتى هذا غفلا عنه. وليكن… لو أنهما وضعا لها كنية، فمعظم الأولاد في المدرسة لديهم كنى، مثل المحبوب، والمسلي، إلا هي ليس لها حتى كنية، لأن اسمها كان غريبا أصلا، وكانت تلفظه يشبه الكنية المضحكة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأسماء غير المألوفة لم تكن صعبة لها، مثل اسمها، لأن اسمها كان تماما بهذا الشكل: زهرة الساردونيا.
كانت ساردونيا قد اشتكت عدة مرات إلى أبيها وأمها من موضوع اسمها، لكن مع الأسف، لم يأخذا الموضوع على محمل الجد. وما الغريب في هذا، فإمكانية الكلام مع الكبار بوضوح كإمكانية هطل الثلوج في شهر آب فردود أفعال الكبار على المواضيع التي لا يرغبون في سماعها تكون إما بالتجاهل، وإما بالابتسام وتغيير الموضوع.
فكرت ساردونيا كثيراً في موضوع استشارة الكبار للصغار بشأن تسميتهم! لماذا لا يتدخل الإنسان في موضوع اسمه الذي سيحمله طوال حياته؟ كان لا بد من تسمية الأطفال منذ ولادتهم. لكن، كان يجب أن يتحدث الأطفال مع والديهم ويختاروا أسماءهم بعد أن يكبروا ويتعلموا القراءة والكتابة. وإلى ذلك الوقت، كان من الممكن للوالدين أن يناديا أولادهما بكلمات بسيطة وليست كلمات فظة، مثل: أنت تعال، واجلس يا صغير. لم تكن هذه الكلمات محببة بالنسبة إلى ساردونيا. فمن الممكن أن يسموا بكلمات ألطف وأرق، بكلمات تناسب الشخص المسمى مثلا. لذا كانت ساردونيا تحلم بكوكب يختار فيه كل إنسان اسمه بحرية. فهل يوجد مكان كهذا، يا ترى؟ كانت تعلم بأنها لو حاولت أن تسأل أمها هذا السؤال، فستضحك أمها وتقول: (عقل أطفال، لا غير).
كم كانت ساردونيا معجبة بكروية الأرض، فمن السهل احتضان الأرض وهي كروية الشكل. وكل مكان فيها يبعد البعد نفسه عن الأماكن الأخرى. لذا أهداها والدها في عيد ميلادها أطلساً، صار من أحب ما تملكه. لا تتركه أبدا فترة وجودها في البيت، وتأخذه إلى المدرسة بين الحين والآخر، تقلب صفحاته كلما سنحت لها الفرصة بين الدروس، وفي الاستراحات. رسمت أعلام جميع الدول ولونتها، وحفظت أسماء عواصمها. إضافة إلى ذلك، كانت تستطيع أن تحصي معظم دول أميركا الجنوبية وإفريقيا وآسيا وهي مغمضة العينين. كما كانت ترغب في زيارة تلك البلاد الأجنبية عندما تكبر. ولحسن الحظ أنه لا داعي لتكون طائرا كي تستطيع أن تقوم برحلة حول العالم.
لم تكن ساردونيا راضية عن سلوك البالغين… وخاصة بالنسبة لحب القراءة فقد لاحظت أن البالغين يدركون جيداً أن قراءة الكتاب شيء مفيد، وعلى الرغم من ذلك فإنهم يقاطعون الأولاد في أثناء قراءتهم، لكنهم لا يقتربون من الطفل المنهك في الدراسة. إذا كنت تقرأ كتابا أنت اخترته، يبدؤون بطلب الأشياء منك بلا توقف: (ساردونيا أحضري لي كوبا من الماء، ساردونيا هيا أعدي المائدة، ساردونيا هيا اذهبي واسقي النباتات في الشرفة) لماذا لا يتدخلون في الولد الذي يدرس؟ ويزعجون الأولاد الذين يقرؤون الكتب؟ لم تكن ساردونيا تعطي أي معنى لهذا التصرف. ما أغرب تصرف البالغين!
ذات يوم تعثر الفتاة في المكتبة القريبة من منزلها على مجسم كرة أرضية مضيئة. كانت أكبر من حبة البرتقال وأصغر من حبة الشمام. عليها كل من البحار والأنهار والجبال والبحيرات، والجبال البركانية. كما كانت الحدود بين الدول مرسومة كأنها حجارة صغيرة ملونة تضيء وتنطفئ. وعندما تمسك بها من وسطها تماما، يعني في خط الاستواء، ينفتح شيء شبيه بباب يفتح على مصراعيه. لكن داخله لم يكن فارغا ولربما فيه قسم سري. والأمر الذي حير زهرة الساردونيا هو الشيء العجيب الذي شاهدته في مجسم الكرة الأرضية، فقد كانت تعرف أن قارات العالم سبع، غير أنها لم تكن سبعا في هذه الكرة، بل كانت ثماني قارات. لقد اكتشفت قارة جديدة في جزيرة في وسط المحيط الأطلسي، كما أن شكلها أيضاً كان غريبا. وإذا أمعنت النظر إليه يبدو ككتاب مفتوح. في تلك اللحظة، شعرت ساردونيا بأن الكرة الأرضية التي بين يديها مفعمة بالحياة تتنفس وتفكر.
ثم تقوم ساردونيا عن طريق هذه الكرة برحلة خيالية مع أصدقاء خياليين يعشقون القراءة مثلها. ويشقون طريقهم عبر غابة من الخيارات فيها أربعة طرق هي التراب والماء والنار والهواء. ومن خلال خياراتهم المتتالية بين هذه العناصر الأربعة تتسع مداركهم، وتغنى معارفهم. ويتعلمون أن الحكايات والقصص والأساطير وعالم الأحلام هي أكثر الأشياء متعة في الحياة، وأن هناك مكاناً للجميع بين طيات الكتب. كانت ترغب أن تخبر الجميع عن رحلتها المذهلة، لكن ظل هذا الأمر سرا، فلم تخبر أحدا بالقارة الثامنة، إلا شخصاً واحدا هو مذكرتها حيث كتبت:
(عزيزتي الشجرة العظيمة، كانت العودة إلى المدرسة بعد التجول في بلاد الأساطير والحكايات غريبة جدا. كل شيء صار يبدو مختلفا، لأنني تغيرت. يعني أنني تغيرت من دون أن أشعر بذلك، لم أعد أحزن من الأشياء التي كانت تحزنني فيما مضى.
أعرف أن هناك مكاناً آخر، بلاداً أجمل من هذه البلاد.
أنا الآن اجتهد في دروسي، وأمضي وقتاً أطول مع أصدقائي، وأقرأ كثيراً من الكتب. وكلما قرأت حكاية، أو بنيت حلما، أو ألفت قصة، أو كتبت شعراً، تخضر شجرة في القارة الثامنة، وتتفتح زهرة، وتجري المياه في الأنهار الجافة، ويغرد عصفور، حتى لو لم يصدق أحد هذا، فأنا أعتقد أن هذا الأمر ممكن.
زهرة الساردونيا (الفتاة التي تحب اسمها).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن