ثقافة وفن

بين الانعزالية والتعارف… التقنيات الحديثة والعلاقات الأسرية … حالات الطلاق سببها مواقع التواصل الاجتماعي

| رامه الشويكي

غزت التقنيات الحديثة عبر محتواها الجذاب شئنا أم أبينا حياة الأسرة السورية، وأصبحت تهدد كيانها بشكل أو بآخر، ففي كل منزل هناك أكثر من جهاز يتعامل معه أفراد الأسرة، وأصبح مشهد انشغال كل فرد من أفراد الأسرة الواحدة عن الآخر بها مشهداً معتاداً في الاجتماعات الأسرية، وحل التواصل الافتراضي مع الأصدقاء الوهميين على مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً لجلسات الحوار الدافئة بين أفراد الأسرة، وفي المقابل سهلت هذه التقنيات عملية التشبيك والتعارف مع الآخرين بكبسة زر، لكن هل تغلب تأثيراتها السلبية الإيجابية منها؟ أم تتوقف فاعليتها على قدرة الإنسان على استخدامها بالشكل الصحيح، والتعامل معها ضمن أطر محددة، حتى يتمكن من التحكم بها لا العكس؟
حاولت«الوطن» الاطلاع على بعض الآراء والتجارب لكل من الأهالي والاختصاصيين في هذه الظاهرة التي باتت تشكل جزءاً لا يتجزأ من حياة الأسرة السورية اليومية.

تسونامي يخرب البيوت
د. أيمن السواح (محاضر جامعي) يرى أننا نخوض نضالاً يومياً للتخفيف من سلبياتها، ويعتقد أن تأثيرها بات واضحاً، إذ لا يخفى على أحد الفرصة الكبيرة التي تمنحنا إياها التقنيات الحديثة ووسائل التواصل للتعلم والتشبيك لكنها سلاح ذو حدين، فيتحدث قائلاً: جميعنا يلاحظ الآثار السلبية للهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي«فيس بوك» والبرامج الشبيهة، وتأثيرها السلبي على العلاقات الإنسانية، خاصة على التواصل داخل الأسرة وبين الأصدقاء، نرى الأطفال يمضون وقتاً طويلاً باستخدامها منعزلين وجوههم وأعينهم على الشاشة الصغيرة يفقدون التواصل مع إخوتهم وأبويهم ومحيطهم الخارجي، كما أن الأهل يفقدون التواصل مع أبنائهم لأنهم مشغولون على مواقع التواصل الاجتماعي، هي معركة ونضال يومي نخوضه في كل يوم، في كل لحظة لنخفف من سلبياتها، علينا أن نتسلح بالوعي لمحاولة مقاومة هذا التسونامي والظاهرة الاجتماعية السيئة، شخصياً عملت على تأخير حصول أولادي على هواتف ذكية لسن الثامنة عشرة مع وجود كلمة سر لجهاز التصفح اللوحي الموجود في المنزل وتحديد أوقات استخدامه، وأعتبر ذلك إنجازاً مهماً، رغم أنني واجهت انتقادات من الوسط المحيط والأصدقاء، والحل البديل لإدمان استخدامها يكون بالتوعية والنقاش والحوار بين أفراد الأسرة، والعمل المستمر على دفع الأطفال، واليافعين لممارسة الأنشطة الرياضية أو الذهنية المتنوعة كالحساب الذهني، البرمجة، وغيرها في أيام العطلة وخاصة العطلة الصيفية، وبشكل جزئي أثناء الفصول الدراسية، إضافة إلى بناء قدراتهم في اللغات، وغيرها، كل ذلك له دور ببناء شخصية الطفل واليافع، فالحل هو بالخروج من المنزل وتواصل الأطفال مع أقرانهم، واكتشاف ميولهم وهواياتهم واستثمارها في وقت مبكر.
تؤيد ملك ع (ربة منزل وأم لولدين) ما قاله الدكتور أيمن في أن التقنيات الحديثة تشكل نعمة ونقمة في آن واحد، إذ يمكن أن نستفيد منها في الحصول على معلومات ثقافية أو التواصل مع المغتربين، لكنها بالمقابل تحول أي اجتماع أسري إلى انعزالي لأن كل فرد من أفراد الأسرة منشغل بمتابعة الصداقات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، كبديل للتواصل الواقعي، إضافة إلى تأثيرها في العلاقات الزوجية، لأنه تبعاً لمشاهداتها يقوم عدد كبير من الأزواج باستخدامها للتعارف وإنشاء صداقات وهمية أو علاقات غير شرعية، تؤدي لخراب البيوت، وتقول: (شخصياً ينشغل زوجي طول الوقت بالألعاب الإلكترونية ويهمل واجباته الأسرية).
وتكمل حديثها ضاربةً مثالاً عن لعبة «باب جي» التي تسبب برأيها العديد من المشكلات للكبار قبل الصغار، الذين أصبحوا يمضون ساعات في لعبها بدل الاهتمام بزوجاتهم وتربية أبنائهم، وبالنسبة لأولادي أصبح محتوى هذه التقنيات يشغل حيزاً كبيراً من أوقاتهم التي يجب أن يخصصوها للدراسة، أو ممارسة الهوايات، ما يؤثر في تحصيلهم وتفوقهم الدراسي، وأصبحت في ورطة في حال عدم توفيرها لهم لأنهم يشعرون بالنقص مقارنةً بأقرانهم، برأيي أصبحت مرضاً اجتماعياً يرتبط مباشرة بقلة الوعي والاستخدام الخاطئ.

صراع بين الأجيال
ترى علا زيدان (أم عاملة) أن الشابكة والهواتف النقالة والألعاب الإلكترونية تشكل خطراً كبيراً على العلاقات الأسرية وتسبب تفككها، وتهدد كيانها لعدم تحقيق الرابط العاطفي بين الأهل والأولاد، ولاسيما أنها تلعب دوراً كبيراً في تكوين مدارك الإنسان وثقافته، فهي توفر أنماطاً من التواصل الافتراضي الذي حل محل الحوار والمحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة مما ساهم في توسيع الفجوة وتكريس الصراع بين جيلي الآباء والأبناء، وأفرز العزلة والتنافر بين أفراد الأسرة، الأبناء يشكون أن لا أحد يسمعهم، لا أحد يفهمهم، والآباء يتهمون أبناءهم بالسطحية والرفض المطلق لآرائهم، أصبح هناك شعور بالغربة في المجتمع، وبعد أن تسلسلت هذه التقنيات إلى قلب الأسرة، باتت تهددها في كيانها، وتؤثر سلباً على العلاقة بين الأهل والأولاد، وتشكّل خطراً على العلاقة بين الزوجين، لأنها تعزز الشك فيما بينهم وتؤدي إلى الكثير من الخلافات التي قد تنتهي بالانفصال والطلاق.

ما خفي كان أعظم
أما ل. م فتحدثنا عن تجربتها بالزواج عبر مواقع التواصل الاجتماعي قائلةً كنت أحلم بالزواج من رجل تركي الجنسية يشبه الممثلين الذين نشاهدهم في المسلسلات التركية، وعبر «فيس بوك» تعرفت إلى أحدهم، وكانت لديه الرغبة هو أيضاً بالزواج من امرأة من خارج بلده، وبعد تواصلنا لفترة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جاء بزيارة إلى سورية وطلبني للزواج، سافر أهلي إلى تركيا لمشاهدة بيت الزوجية الذي سأعيش فيه على أرض الواقع، وكان انطباعهم إيجابياً عن بيته ووضعه المعيشي وتم الزواج، ومع مرور وقت قصير اكتشفت أن رغبته بالزواج من فتاة من بلد آخر، لإخفاء خصلة سيئة هي البخل الشديد، والضرب، حيث كان يحبسني في غرفة، ويمنعني من التواصل مع أهلي، وبصعوبة استطعت الاتصال بأهلي الذين حاولوا مساعدتي، وإرسال النقود لأعيش منها، وبعد مرور أربع سنوات، توصلت للطلاق، بدعاوى قضائية، وبمساعدة أقاربي المقيمين في تركيا، وعدت لبلدي، وكانت تجربة أكثر من سيئة بالزواج والتعارف عن طريق فيس بوك لأنني رأيت المكشوف، لكن ما خفي كان أعظم..

آراء الاختصاصيين
للتعرف على تأثير التقنيات الحديثة على الأسرة والعلاقة الزوجية التقينا ـ رشا النوري ـ اختصاصية نفسية تربوية وأسرية التي ترى أن التقنيات الحديثة تعد من أحد مسببات المشكلات والخلافات الزوجية بين الزوجين لأنها تجعل كل فرد يعيش مع أصدقائه عبر مواقع التواصل الاجتماعي طوال اليوم ويتناسى الشريك الآخر، ونجد كل طرف ممسكاً بهاتفه المحمول منهمكاً في التواصل مع الأصدقاء وتمر الساعات وينتهي اليوم ليأتي اليوم الآخر بالشكل نفسه وماذا بعد؟ هذه التقنيات قلصت التواصل والجلسات الهادئة بين الزوجين مما تسبب في العديد من المشكلات إذ لا حوار بينهما بل هما زوجان منفصلان تماماً.
وتشير النوري إلى أنها تجعل كل فرد كأنه يعيش بمفرده لا يعرف عنه الطرف الآخر أي شيء، ويلجأ لها أحد الشريكين بسبب الملل أو الروتين الزوجي أو هرباً من المشاكل والخلاف معه.
وتؤكد أنه يجب علينا الوعى بكل هذه المخاطر وألا نتجاوز الحد المعقول في استعمالها حتى لا يفسد الرابط الأسري لأنه يوتر العلاقة بينهما بل يسبب خيانات إلكترونية وجفاء في العلاقة لنقص التواصل.
وعن الآثار السلبية للتقنيات الحديثة في قطيعة الرحم تبين ـ النوري ـ أنه في ظل التطور التقني الذي ساد العالم أجمع، أصبح الجميع على اتصال ببعضهم بعضاً من دون الالتقاء أو الحديث المباشر، وذلك باستخدام طرق مختلفة مثل إرسال رسالة على مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك، تويتر» وغيرها من التطبيقات، لتكون بديلاً من الحديث المباشر، وبالفعل أثرت تلك الوسائل على مستخدميها، فنجد في الأعياد بعدما كان السائد هو زيارة الأقارب والأهل، أصبح في العصر الحالي الاكتفاء بـ«رسالة» على المحمول.

ظاهرة إيجابية ولكن
من جهته الاختصاصي في الإرشاد الاجتماعي، ومدرب التنمية البشرية ـ ماهر شبانة ـ يرى أن التقنيات الحديثة أصبحت تشاركنا حياتنا وأدوارنا التربوية ولاسيما من ناحية مشاركتها دور الأهل في تنشئة الأولاد فقد أصبح الحاسوب والهواتف النقالة مصدراً مهماً وشرعياً من ناحية الأهل لتلقف أولادهم التربية والمعلومات من العالم الخارجي وهنا يخرج الأولاد من إطار التفاعل باللعب، ليلعبوا دور المتلقي السلبي ونتيجة السحر في التنوع الذي يتركه فضاء التقنيات الحديثة تصبح المرجعية الأقوى لدى الشخص ويضعف من دور الأهل في لعب دورهم المحوري في التنشئة.
ويتابع حديثه عن إيجابياتها قائلاً: إذا أردنا الحديث عن إيجابياتها فلا يمكننا إنكار أهميتها في تعرف الطفل على العالم وتكوين بنية ثقافية تساعده أكثر في واقعه شرط ألا تكون عشوائية أو غير مضبوطة فأساليب التعلم باستخدام التقنيات الحديثة تساعد الطفل في قطع أشواط كبيرة من ناحية الاستكشاف والتحقق من مصداقية المعلومة وتعلم كل جديد وخاصةً أن المؤسسات التعليمية أصبحت تتنافس في ما يسمى دمج التقنيات بالتعليم لترفع من مستواه.

التقنيات سبب رئيسي لتمرد الشريك
للاطلاع على بعض المشاهدات الواقعية التي وصلت لأروقة المحاكم بسبب التقنيات الحديثة التقينا الأستاذة ـ هزار أندورة ـ محامية مختصة بالقضايا الشرعية والمدنية لتروي لنا بعضاً من مشاهداتها فتقول: أصبح بشكل لا لبس فيه الكثير من قضايا أو حالات الطلاق بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتعرف الزوج عن طريقها على نساء أخريات، فيبتعد عن بيته وأسرته، وأطفاله، وبعض الزوجات تجد في هذه التقنيات ملاذاً تهرب إليه من القطيعة الأسرية الزوجية، وتتفرغ لها بدل اهتمامها بأطفالها، إن حالات الطلاق في المحاكم الشرعية بدمشق على سبيل المثال وتبعاً لما يروى في المحاكم تنحدر بأساسها إلى الوسائل الإلكترونية بنسبة أربعين بالمئة، كنسبة واضحة وما خفي كان أعظم، فبعد إتمام المعاملة ووقوع الطلاق يتبين أن السبب الحقيقي هو توجهه لامرأة أخرى تعرف إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فتيات الهوى أو غيرها، وكذلك الزوجة التي تطلب الطلاق بسبب شخص تعرفت إليه خلال فترة حياتها الزوجية، مما يجعلنا نعتقد أن النسبة الحقيقية لأسباب الطلاق بسبب هذه التقنيات أقرب إلى خمسة وسبعين بالمئة، فنجد الزوج والزوجة يتمردان على الواقع وتزداد متطلباتهما مما يسبب الطلاق، فالسبب رئيسي للتمرد هو هذه الوسائل أو التقنيات.
وترى ـ أندورةـ في ختام حديثها مع «الوطن» أن الشعوب العربية عامةً لم تستخدم هذه الوسائل في نطاقها الصحيح بل تستخدمها بطريقة سيئة، تسيء لأسرها، ومجتمعها، وكعادتها لا تعرف من الحضارة إلا اسمها، ولا تستخدم هذه التقنيات للتعرف على أنواع الحضارات أو عادات الشعوب، وعلومها، وبالمحصلة زادت التقنيات ومواقع التواصل الاجتماعي على نطاق المجتمع السوري من حالات التفكك والطلاق ووسعت الفجوة بين أبناء الأسرة الواحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن