قضايا وآراء

إدخال العراق نفق التطبيع والمطبعين!

| أحمد ضيف الله

ما أن جرى تداول مقطع فيديو للسفير العراقي في واشنطن فريد ياسين في الـ5 من تموز الحالي، قائلاً: إن «هناك أسباباً موضوعية قد تدعو إلى تطوير العلاقات مع إسرائيل»، حتى استنفرت الصحف السعودية والقطرية والإماراتية والبحرينية على وجه الخصوص في إبراز التصريح، والتعليق بأن «هناك أسباباً عدة وراء تأييد بعض العراقيين للتطبيع مع إسرائيل، منها الاعتقاد السائد بأنها تقف وراء الدمار الذي حصل في البلد بعد العام 2003، وأن البلدان العربية التي أنشأت علاقات مع إسرائيل هي في حالة تطور واستقرار»، متناولة ذات المنهج الذي بدأت إسرائيل لعبه من خلال إنشائها مواقع ومنصات تواصل اجتماعي للعب على هذا الوتر، والحديث بشكل إيجابي عن التطبيع وضروته معها، مثل صفحة «إسرائيل باللهجة العراقية» التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وهي من المواقع التي تطمح إسرائيل من خلالها إلى خلق تفاعل مع الجمهور العراقي لتغيير الرأي العام في العراق تجاهها.
وتجاهلت تلك الصحف المتصهينة في نفس الوقت مواقف القوى السياسية والنيابية العراقية الشاجبة لهذا التصريح، حيث اعتبر النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي في بيان له، أنها «لا تمثل موقف العراق الرسمي والشعبي الرافض لأية علاقة مهما كان نوعها مع الكيان الغاصب لأرضنا المحتلة في فلسطين»، مطالباً وزارة الخارجية العراقية بـ«أخذ دورها في مساءلة واستدعاء السفير واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار التصريحات التي تسيء إلى المواقف الثابتة للدولة ومحاسبة كل من يصرح أو يتكلم باسم العراق»، مجدداً «رفضه لأي فكرة أو مشروع يمهد للتطبيع مع الكيان المحتل». كما اجتزأت تلك الصحف المتصهينة بيان الخارجية العراقية بنشر مقاطع مقتضبة منه، على أن ما «يحصل أحياناً اجتزاء، أو نقص تعبير يقع فيه البعض يشوّه موقف العراق المبدئي»، من دون ذكر «نجدد التأكيد أن موقف العراق إزاء القضية الفلسطينية، هو نفسه الموقف المبدئي والتاريخي برفض الاحتلال الإسرائيلي، واغتصابه لأرض عربية، وإننا لا نقيم أية علاقات مع دولة الاحتلال، وملتزمون بمبدأ المقاطعة»، وأن العراق «وعلى طول التاريخ داعم للقضية الفلسطينية، وللشعب الفلسطيني في نضاله، والدفاع عن حقوقه، ولم يتخلّ يوماً واحداً عن موقفه الرافض لكل أشكال التطبيع مع هذا الكيان الغاصب للأرض، والذي يقتل ويهجر ويدمر حياة الإنسان ظلماً وعدواناً»، بحسب ما جاء في بيان الخارجية العراقية.
هذه الصحف واصلت بفرح غامر التذكير بأن هناك شخصيات عراقية تزور إسرائيل بشكل علني أو سري، مستذكرة زيارة «مثال جمال حسين أحمد الآلوسي» للكيان الصهيوني مرة عام 2004 وثانية عام 2008 بعد أن أصبح نائباً في المجلس النيابي، التي أدت إلى طرده من المجلس النيابي، ناشرة بالتزامن مع صفحة «إسرائيل باللهجة العراقية» وصول وفد نسائي عراقي إلى الكيان الصهيوني في الـ7 من تموز الحالي ضم 15 سيدة من الناجيات من إرهاب داعش بينهن أيزيديات ومسيحيات للمشاركة في برنامج تدريبي خاص لعلاج الصدمات في كلية علم النفس بجامعة «بار إيلان»، بينهن لمياء حجي بشار التي حصلت على جائزة «ساخاروف» عام 2016، ونادية مراد الفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 2018، وهما من الإيزيديات العراقيات التي تم تحريرهن من داعش، ومقيمات خارج العراق.
ومن دون مناسبة، وبالتزامن أيضاً مع صفحة «إسرائيل باللهجة العراقية»، نشرت الصحف والمواقع المتصهينة مقابلة أجرتها فضائية «الحرة عراق» الأميركية في الـ12 من تموز الجاري مع من وصفتها أنها ملكة جمال العراق السابقة! سارة عيدان، التي أوضحت من دون مناسبة «لم أندم على ما قلته في دعم صفقة القرن، ولا أعلم لماذا هذه الحساسية تجاه القضية، أنا كل الذي تكلمت عنه أنني دعمت صفقة القرن ويتعين أن يكون هناك حل سلمي بين إسرائيل وفلسطين»، لافتة إلى أنه «إذا كان هناك دول عربية مثل الإمارات والسعودية تصنف حركة حماس إرهابية، فما هي المشكلة في وصفي لها بالإرهابية»؟ وسارة عيدان هذه لا أحد يعرف عنها شيئاً سوى أنها عملت مع القوات الأميركية أثناء احتلالها للعراق، وغادرت العراق مع انسحاب تلك القوات منه عام 2011، فيما يجري التسويق على أنها حصلت على لقب ملكة جمال العراق في مسابقة يُقال أنها أجريت في ولاية ميشيغان الأميركية في الـ25 آذار 2016!، وأنها زارت إسرائيل في حزيران 2018، وألقت كلمة في مؤتمر للجنة الأميركية اليهودية في القدس المحتلة! وغالباً ما تمرر سارة عيدان هذه، تصريحات تدعي فيها أنها تتعرض لمضايقات من الحكومة العراقية لا أصل لها.
إن قيام العراقيين بإنزال علم البحرين من سارية سفارتها في بغداد ورفع العلم الفلسطيني بدلاً عنه، رفضاً لورشة الغباء في المنامة، وامتناع الحكومة العراقية عن المشاركة في ورشة صفقة عارهم، لا تهزه نشر هكذا تفاهات، في محاولة لإدخال العراق نفق التطبيع والمطبعين مع الكيان الغاصب لفلسطين، المحتل لأراضينا العربية في الجولان ولبنان، الذي مازال يرتكب كصنيعته داعش أبشع الجرائم بحق شعبنا العربي، والعراق الذي ما نسي فلسطين يوماً واحداً، يدرك حجم المخاطر التي تحيط به، وبأمتنا العربية.
ما لا يفهمه الصهاينة وأجراؤهم في المنطقة، أن كل جرائم صنيعتهم داعش، بشرورها ووحشيتها التي طالت كل مكونات الشعب العراقي الدينية والاثنية دون استثناء لم تنجح في شق وحدته، وأن الآلوسي ولمياء ونادية وسارة.. ليسوا واجهات العراق المشرفة.
في الـ15 من تموز الحالي سلم رئيس وزراء دولة فلسطين محمد أشتية خلال زيارته بغداد، نظيره العراقي عادل عبد المهدي، وثيقة مُلكية العراق، لمقبرة الشهداء العراقيين في نابلس مؤرخة في 29 نيسان 1949 تتضمن تفاصيل موقع المقبرة وأعداد شهداء الجيش العراقي فيها.
فهل يفهم المتصهينون العرب معنى هذا؟ أشك في ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن