قضايا وآراء

الجولان وخوف الإسرائيليين من الاستيطان

| تحسين الحلبي

يبدو أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالموافقة على ضم الجولان المحتل لم يضف شيئاً في خطط تشجيع الاستيطان فيه وبقي مجرد بالون في الهواء وربما لم يقدم شيئاً سوى أنه جاء قبل موعد قريب من الانتخابات الإسرائيلية لمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شعبية، والإسرائيليون أنفسهم أصبحوا الآن يسخرون من قرار ترامب وعدم جدواه.
ففي موقع القناة السابعة الإسرائيلية كشف عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب أزرق أبيض تسفي هاوزر في 19 تموز الجاري أنه بعد اطلاعه على أرشيف خطط الاستيطان في الجولان لم يجد أي مشروع لتوسيع الاستيطان فيه وقال: «إن العار الذي كشف عن نفسه اليوم يثير قلقاً شديداً فبعد أكثر من 50 سنة على وجودنا هناك لم نتمكن من زيادة عدد المستوطنين وبقي العدد أقل من 25 ألفاً» ووصف عدم القدرة على تحقيق كثافة استيطانية في الجولان بأنه «تطبيق لوضعها كأمانة مؤقتة ريثما تعيدها إسرائيل إلى سورية وسحب المستوطنين منها».
وتساءل ساخراً: «وما قيمة الاحتفال الاستعراضي بتلة أطلق عليها اسم ترامب ولن تضم سوى 110 وحدات استيطانية فهذا الرقم لا يضيف شيئاً»، علماً أن الوحدة الاستيطانية السكنية قد يتراوح عدد المستفيدين منها ما بين اثنين إلى ثلاثة أفراد لكل وحدة.
الحقيقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي استعرض مع ترامب قرار الضم يعرف كل شيء عن تعثر الاستيطان في الجولان بسبب خوف الإسرائيليين من الاستيطان في منطقة لا تبعد عن جبهة الحرب سوى كيلومترات قليلة.
صحيفة «هآريتس» نشرت في 28 آذار الماضي معلومات عن إخفاق الاستيطان في الجولان بقلم «ناعامه شبيغيل» قالت فيها: إن أرشيف الاستيطان في الجولان لا يحمل جديداً لأن رئيس الحكومة ما بين عامي 1967-1969 ليفي اشكول كان يرغب في الاستيطان في الجولان لكن القيادة العسكرية ووزير الدفاع في ذلك الوقت موشيه دايان قدموا له تقريراً يرون فيه عدم إمكانية قبول الإسرائيليين بالاستيطان فيها بسبب الجيش السوري وحرب الاستنزاف التي يشنها عبر حدود الجولان ومن ثم لم تنشأ أكبر المستوطنات في الجولان وهي مستوطنة «كاتسرين» إلا بعد عام 1977 ببعض مئات ثم بعض آلاف من المستوطنين فقط، وحين أعلن رئيس وزراء العدو الأسبق مناحيم بيغين ضم الجولان المحتل عام 1981 وضعت الحكومة خطة عام 1982 لزيادة عدد المستوطنين في «كاتسرين» إلى 20 ألفاً خلال خمس سنوات وفي النهاية لم يحققوا هذا الهدف إلا بعد أكثر من ثلاثين عاماً وليس خمس سنوات.
يعترف رئيس بلدية «كاتسرين» ديمي بارتسيف أنه على مدى 30 عاماً لم نستطع إحضار أكثر من 6300 مستوطن ولم يبلغ العدد 20 ألفاً إلا في هذه الأوقات.
فالإسرائيليون يدركون أن جبهتي سورية في الشمال وجبهة قطاع غزة في الجنوب بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005 لا يمكن أن يقبل الإسرائيليون بالاستيطان قربها لأن جبهة كهذه وخصوصاً في عصر حروب الصواريخ والقذائف ستجعلهم يتعرضون منها للصواريخ والقذائف قصيرة المدى التي يسهل سقوطها فوقهم ولذلك بقيت أحلام قادة الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال الجولان مجرد أوهام تحمل الكوابيس للمستوطنين وبخاصة أنهم يسمعون يومياً أن سورية لم تتوقف عن التأكيد على تحرير الجولان واستعادته فالأراضي السورية قرب الجولان المحتل، استمر خطرها على إسرائيل بشكل متواصل بخلاف الضفة الغربية المحتلة التي شهدت زيادة واسعة بعدد المستوطنات والمستوطنين في داخلها وعلى أطراف حدودها المشتركة مع الضفة الشرقية الأردنية التي لم تعد نفسها كجبهة حرب في تلك المنطقة، على حين إن قطاع غزة الآن أصبح يشكل حدوداً لجبهة حرب بدأت تفرض على المستوطنين في مستوطنات غلاف غزة داخل فلسطين المحتلة عام 1948 حرب استنزاف جعلت الكثيرين منهم يهددون الحكومة بالرحيل عنها بسبب هذه الحرب التي لم تنته بعد.
ولذلك يعترف قادة الجيش الإسرائيلي بأن تزايد إمكانات الصدام الحربي على جبهة الشمال بما في ذلك جنوب لبنان وجبهة قطاع غزة ما زال يفرض على إسرائيل دفع ثمن سياسي لا يمكن تجاهله وخاصة بعد أن تمكنت سورية من المحافظة على تماسكها السيادي وتحقيقها للانتصار في حرب دامت ثماني سنوات دون أن تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها من هذه الحرب.
ولا شك أن تراكم وتزايد مصادر القوة والاستقرار في سورية وعند حلفائها سيشكل أحد أهم العوامل المركزية التي تجعل الإسرائيليين يدركون أن الاستيطان في الجولان تجارة خاسرة أمام قدرة سورية على استرجاعها من المحتلين وتحديداً في هذه الظروف التي بدأ فيها المشروع الصهيوني يتراجع على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية بل إن بقاء جبهة الشمال بالذات بدأ يشكل أهم وأكبر العقبات في وجه التوسع الإقليمي الإسرائيلي في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن