قضايا وآراء

أردوغان.. عندما ينقلب السحر على الساحر

| د. بسام أبو عبد الله

لم يعد خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السلطاني حول الأخوة بين المسلمين، وحول احتضان تركيا للسوريين، يُطعم المواطن التركي خبزاً، ذلك أن نتائج الانتخابات البلدية أحرقت أصابع «العدالة والتنمية» الذي كان يريد المتاجرة بورقة السوريين تارة مع الأوروبيين لأخذ المساعدات بالمليارات، وتارة أخرى بتهديدهم بفتح ممرات الهجرة إلى بلدانهم، وهو ما لم تتحمله الدول الأوروبية التي انقسمت على بعضها بسبب هذا الملف الشائك الذي تسببت به سياسات حكوماتهم الساكتة أو الداعمة للحرب الفاشية على سورية شعباً ودولة.
مرشح «العدالة والتنمية» لرئاسة بلدية إسطنبول بن علي يلدريم عمل على استغلال هذه الورقة أثناء حملته الانتخابية، حينما اعتبر أن تركيا قدمت الحماية المؤقتة للسوريين، لكنهم باتوا يشكون تدريجياً مشكلة اجتماعية وأمنية، على حد زعمه، لا بل قال أكثر من ذلك: إن السوريين باتوا يشكلون خطراً على نساء إسطنبول وأطفالها وذلك خلال مقابلة إذاعية له في 23 حزيران 2019.
أما وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الذي كان من أكثر المدافعين عن اللاجئين السوريين، فقد برر مراراً وتكراراً الدوافع الدينية والتاريخية والقومية التي تدفع حكومة العدالة والتنمية لاحتضان السوريين، بناءً على قرار سياسي تركي حكومي، لأن هذا الملف أصبح عبئاً ثقيلاً على حكومته، وبدأ يستنزف من رصيدها الشعبي، الأمر الذي أظهرته نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة.
نشرت مجلة «الإيكونومست» البريطانية تحقيقاً صحفياً حول هذه القضية نقلت من خلاله آراء الشارع التركي، واختارت مدينة مرسين الساحلية، وأشارت إلى أن أحد أصحاب المحلات في المدينة قال لها: لقد استقبلناهم باسم الإنسانية، وكان ذلك شيئاً صحيحاً، لكن عندما تأتي كضيف يتعين عليك الرحيل بعد 3 أو 5 أعوام، وحسب المجلة البريطانية فإن السوريين يشكلون 10 بالمئة من سكان هذه المدينة، وأن السكان المحليين اشتكوا من ارتفاع بدلات الإيجار للمساكن، ومن عدم دفع السوريين للضرائب، ومن منافستهم للأتراك في فرص عملهم، ذلك أنهم يتقاضون أجوراً أقل، وفي ضوء الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتباطؤ الاقتصاد وندرة فرص العمل، فإن وجود السوريين تحول إلى مشكلة حقيقية باتت تؤرق حكومة العدالة والتنمية والمجتمع التركي بشكل عام.
الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها تركيا لها أسباب بنيوية وسياسية، وبالطبع فإن السوريين ليسوا هم السبب المباشر لأزمات الأتراك، ولكن في زمن الأزمات تبدأ المجتمعات بالبحث عن كبش فداء لأزماتها، وكبش الفداء المتوقع هو السوريون الذين اعتقدوا وتوهموا أن تركيا الإسلامية سوف تكون الحضن الدافئ وكأنها جمعية خيرية، أو أن أوروبا هي الجنة الموعودة فذهبوا إليها ليصطدموا بواقع آخر، ولكني أقول بحرقة المحب والحريص على كل سوري إن كلفة الدفاع عن هذا الوطن كانت وستبقى أقل بكثير من كلفة هذا الوضع المأساوي، ومن كلفة تحول كل سوري إلى مادة للابتزاز في تركيا وغيرها، أوليس الدفاع عن تراب الوطن أفضل من سماع كلام الأتراك لكم في كل صباح «ليغرب السوريون من بلدنا» أو من الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي التركية التي تقول: لا أريد السوريين في بلدي، وتركيا للأتراك، والسوريون حولوا شارع الاستقلال في إسطنبول إلى مزبلة! أوليس تسخير جهودكم وعملكم وتعبكم وأموالكم في بلدكم أهم وأكثر ضمانة لأولادكم وأحفادكم من أن تبقى في تركيا التي حولتكم إلى سوريين تحت الإقامة الجبرية، وإلى مادة للتجارة والابتزاز بأيدي من أسموا أنفسهم معارضة، فباعوكم في سوق النخاسة والمصالح، وتركوكم لمصيركم!
الحقيقة أن السياسة التركية كانت ولا تزال هي الأكثر خطورة وضرراً على سورية والسوريين، وأن الوهم الذي عاشه رئيس النظام رجب أردوغان وجماعته تحطم على بوابات دمشق، وارتد السحر على الساحر، وواضح تماماً أنه يريد إخراج ورقة السوريين من المزايدة الانتخابية الداخلية بعد أن كسبت المعارضة بلديات مهمة، وأن الرأي العام التركي بدأ يعبر عن امتعاضه الشديد من عدم إيجاد الحلول لمسألة السوريين، إذ أشارت آخر استطلاعات الرأي العام التي أجرتها جامعة «قادرهاس» التركية إلى أن 67 بالمئة من الأتراك مستاؤون من بقاء السوريين في بلادهم بعد أن كانت النسبة 54 بالمئة قبل أشهر، الأمر الذي يشي بأن الأمور ستنفجر في وجه حكومة العدالة والتنمية في ضوء تفاقم الأزمات الاقتصادية، والضغط الاجتماعي الكبير كما هو واضح.
الحملة التي انطلقت تحت شعار «أمان وراحة تركيا» لتدقيق وضع آلاف السوريين وغيرهم، هي حملة أطلقتها الحكومة التركية بهدف ضبط الوضع في إسطنبول وغيرها من المدن تجاه وجود اللاجئين ووضعهم القانوني، ولكن الأهم من كل ذلك هو إدراك السياسيين الأتراك متأخرين أن «أمان وراحة تركيا» لا يمكن أن يتحقق إلا بعد تحقق «أمان وراحة سورية»، فالأحمق فقط من يعتقد أن حريقاً في بيت جاره سيجعله ينجو من تبعات ذلك، والأحمق فقط من يظن أنه يمكن أن يستمر بالكذب على الناس تسع سنوات متتالية.
لا أمان ولا راحة لأحد في المنطقة إلا بأمان وراحة سورية، هذه معادلة يجب أن يفهمها الأتراك ويسألوا عنها السياسيين الذين قادوا سياسة خارجية فاشلة دفعوا ثمنها الآن، والأمر يشمل رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو الذي يتفلسف الآن ويُنظر، وهو أحد مهندسي هذه السياسة الخارجية الحمقاء مع صديقه أردوغان وغُل.
والأهم لا أمان ولا راحة للسوريين إلا عندما يدركون أخيراً أن عليهم توحيد كلمتهم خلف دولتهم وجيشهم ورئيسهم، والخروج من أوهام وأكاذيب هذه المعارضات الساقطة وطنياً وأخلاقياً، ومن يدعمهم في تركيا، وصولاً إلى واشنطن، وسورية القوية المستقرة هي مصلحة السوريين أولاً، وثانياً مصلحة من يبحثون عن أمان واستقرار بلدانهم ومجتمعاتهم، وصدقوني لو أنكم استمعتم إلى الرئيس بشار الأسد في عام 2011 عندما حذركم من اللعب في خط الصدع الزلزالي أي «سورية» لوفرتم على أنفسكم وغيركم الكثير، وريثما تصلكم هذه الرسالة ادفعوا أثمان ما صنعتموه بأيديكم، وأمانكم وراحتكم لن يتحققا إلا من خلال المساعدة في عودة السلام إلى سورية، وهذا هو الطريق الوحيد بعد أن انقلب السحر على الساحر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن